قصة كفاح وإصرار: فرح* تعيد بناء حياتها من جديد

9 نوفمبر 2025
الصور: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق / مهدي السعداوي

 

فرح محمد، البالغة من العمر 37 عاماً والنازحة من صلاح الدين، تحكي عن رحلة شاقة من المعاناة والألم، التي أثمرت عن قوة إرادتها وإصرارها على استعادة حياتها، بعد أن اضطرت للنزوح من مدينتها خلال سيطرة تنظيم داعش، تنقلت بين مخيم الهول، ثم مخيم الأمل، قبل أن تستقر أخيراً في كركوك.

 

بوابة العودة إلى الحياة

واجهت فرح تحدياتٍ كبيرة ومعقدة أثّرت على جميع مفاصل حياتها . تراوحت هذه التحديات بين صعوبات مادية، مثل عدم توفر  فرص العمل وغلاء المعيشة، ونكسات اجتماعية ومعيشية عميقة، بما في ذلك تدمير منزلها بالكامل وانهيار الحياة التي بنتها عائلتها على مدى سنوات طويلة.

ومن التحديات الحرجة الأخرى عدم امتلاك ابنتيها القاصرتين لوثائق رسمية تثبت هويتهما ، مما حرمهما من الحصول على التعليم الرسمي وغيره من الخدمات الأساسية.

حيث لا تزال مسألة الحصول على بطاقات الهوية الوطنية تُشكّل تحديًا كبيرًا في العراق، لا سيما للعائلات النازحة بسبب النزاع. فبدون هوية رسمية، يعجز الكثيرون عن الحصول على الخدمات العامة الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والدعم الاجتماعي. وهذا لا يُفاقم ضعفهم فحسب، بل يُبطئ أيضًا اندماجهم في المجتمعات التي كانوا يأوون إليها.

 

فرح تشاركنا تجربتها:

تقول: "بناتي حصلن على التعليم الأساسي في المخيم، وأنا الآن أعمل مع محامٍ لحل مشكلة الاوراق الثبوتية لهويتهن واتمنى ان اتمكن من الحصول عليها ليستطعن اكمال حياتهن بشكل سليم لقد ساعدنا التدريب و المنحة كثيرا في العمل على بناء حياتنا من جديد".

 كان لدعم برنامج الأمم المتحدة دورٌ أساسيٌّ في مساعدة فرح على تجاوز التحديات الهائلة التي واجهتها. فمن خلال توفير تدريبٍ أساسيّ في إعادة الإدماج الاجتماعي، وتيسير فرص عملٍ مستقرة، تمكّنت فرح من تأمين حياةٍ كريمةٍ تعتمد فيها على نفسها. 

تُعَدُّ بطاقة الهوية في العراق وثيقةً محوريةً لا غنى عنها للمواطن، فهي الإثبات الرسمي لهويته وانتمائه، وبدونها يتعذّر عليه المطالبة بحقوقه الأساسية أو إتمام معظم المعاملات الرسمية. كما أنها شرط أساسي للحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، وكذلك هي ضرورية لإنهاء المعاملات المالية، وتفعيل الحسابات البنكية، إلى جانب دورها الأساسي في تنظيم وتسجيل حالات الزواج والمواليد. 

ان غياب البطاقة لا يعني حرمان الفرد من حقوقه فحسب، بل يؤدي إلى تهميشه وإقصائه، مما يعوق مسيرة تنمية المجتمع ككل، ولذلك يسعى البرنامج للمساعدة في ايجاد الحلول لغرض ضمان حصول اغلب العائدين من المخيمات على وثائق حكومية تساعدهم على الاندماج المجتمعي، حيث يهدف هذا البرنامج إلى ثلاثة أهداف رئيسية وهي تسهيل عودة النازحين بشكل كريم، ووضع الأساس لإعادة الإعمار والتعافي، وخلق بيئة ملائمة للعودة وإعادة الإدماج والمصالحة..

 

نقطة التحول والاندماج

بدأت نقطة التحول في حياة فرح عندما انضمت إلى برنامج تدريبي من خلال برنامج التماسك المجتمعي التابع لـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق.

تقول فرح: "استفدت كثيرًا من التدريب على الاندماج المجتمعي وسياق العودة الى الحياة الطبيعية من جديد" وعندما عُرضت عليها فرصة الانضمام لبرنامج تدريب حول تطوير الأعمال، وافقت فوراً وأظهرت التزاماً كبيراً رغم انها مسؤولة عن اسرة تواجه صعوبات الحياة، وقد دعمها الجيران ماديًا للمساعدة في تغطية تكاليفها الحياتية خلال فترة التدريب لضمان حضورها المنتظم.

 

بناء مستقبل جديد واستقلال مادي

بعد إتمام التدريب، حصلت فرح على منحة مالية لبدء مشروعها البسيط، وهو متجر للخياطة وإعادة البيع، استطاعت من خلال هذا المتجر بناء علاقات مع الخياطين والموردين والعملاء، وبدأت تعتمد على نفسها، محققة دخلًا شهريًا يُقدّر بحوالي 400,000  دينار عراقي، كما أصبحت فرح تدير أموالها بحكمة، حيث تصرف حوالي 150,000 دينار عراقي على الإيجار والكهرباء والإنترنت، وتستثمر المبلغ المتبقي في شراء بضائع جديدة والشؤون المعاشية الأهم من ذلك، أنها أصبحت تساعد جيرانها المتعثرين مالياً من خلال خطة دفع مرنة عند الشراء من مشروعها.

بالرغم من التحديات المستمرة في الحصول على الوثائق الرسمية، استطاعت فرح أن تبني مكانة اجتماعية مرموقة، وأصبحت النساء والأفراد في الحي يستشيرونها، حتى أنهم يصفونها بـ "المختار". قصتها تُبرز كيف أن الجمع بين التدريب المهني، ومنح سُبل العيش، والدعم المجتمعي يُمكّن النساء المستضعفات من استعادة الاستقرار والكرامة والاستقلالية بعد النزوح.

 

مشروع ناجح وطموح مستمر

بدعم من برنامج التماسك المجتمعي التابع لـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق مع مؤسسة الإغاثة الإنسانية، أطلقت فرح مشروعها من منزلها الصغير في المنطقة، حيث تبيع ملابس النساء، ومستحضرات التجميل، ومنتجات النظافة، والأحذية، والقرطاسية. تطمح فرح اليوم إلى التوسع أكثر، قائلة:

"أحلم بزيادة البضائع وتوسيع نشاطي، وأصبح لديّ زبائن دائمون في المنطقة، وأطمح الى توسيع نطاق عملي في المنطقة."

فرح هي مثال حي لامرأة استطاعت أن تحول التحديات إلى فرص، وأن تخلق من ظروفها الصعبة مصدر قوة واستقلالية، مؤمنة دائمًا بقوة إرادتها وإمكانياتها للنجاح. وتُبرز قصتها أهمية دعم برامج التنمية المستدامة التي تهدف لدمج النساء المستضعفات وإعادة بناء قدراتهن، مؤكدة أن التحديات يمكن تجاوزها بالعزيمة والإصرار والدعم المناسب.

 

حول المشروع

يدعم مشروع المصالحة المجتمعية وإعادة الإدماج للعراقيين العائدين من مخيم الهول السوري جهود الحكومة العراقية لتلبية احتياجات إعادة الإدماج والمصالحة للعائدين من مخيم الهول والفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع المضيف، حيث يوفر المشروع الدعم الاجتماعي والاقتصادي، وخدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي، وأنشطة بناء السلام المجتمعية، مع التعاون مع الجهات الحكومية لتعزيز الآليات الوطنية للمصالحة وإعادة الإدماج المستدام.

تسلط هذه القصة الضوء على استدامة نتائج سبل العيش التي تحققت في إطار مشروع الممول من حکومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا والوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي وهولندا، حيث يواصل مشروع فرح ازدهاره ونموه بشكل مستقل،  مما يعكس الأثر المستدام للدعم المقدم.

حتى الآن، استفاد 4,738 مستفيد من التدخلات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك توفير أدوات مهنية ومنح للمشاريع الصغيرة.

 

[*] تم تغيير الاسم لأسباب تتعلق بالسلامة والخصوصية