ليث احمد: مشاهدة الاحلام تتحقق

18 مايو 2025
الصور: يحيى عبد الكريم/ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق

في مدينة الموصل التي بدأت تلملم جراحها بعد سنوات من الدمار، كان ليث أحمد، الشاب الطموح ذو 25 عاماً، يجلس أمام شاشة حاسوبه يتصفح إعلاناً عن دورة تدريبية ينظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع منظمة هيومن أبيل وبتمويل من الحكومة الألمانية. كان التدريب يهدف إلى تمكين الشباب وتحسين ظروفهم المعيشية عبر تدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل وذلك عبر التدريب أثناء العمل من خلال الشركات والمكاتب.

لم يتردد ليث، الذي كان قد تخرج حديثاً من كلية التربية للعلوم الصرفة قسم علوم الحاسوب - جامعة الموصل، في تقديم طلب الانضمام للدورة التدريبية في وقت تعاني الموصل فيه من شحه فرص العمل والتدريب خاصة للخريجين الشباب، لكنه آمن أن هذه الدورة قد تكون البوابة التي يبحث عنها.

الصور: يحيى عبد الكريم/ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق

40 يوماً من التحدي والاصرار

بعد أسابيع من الانتظار، جاء الرد بقبول ليث ضمن المرشحين للتدريب، كانت فرحته لا توصف، لكنه كان يعرف أن التحدي الحقيقي لم يبدأ بعد.

تم توجيهه للتدريب في مكتب لتركيب وصيانة الكاميرات في المناطق التجارية والشركات، وهو مجال قريب من تخصصه، رغم أن العمل كان عملياً أكثر مما تعود عليه في الجامعة، إلا أنه طور شغفه بالتكنولوجيا إلى واقع ملموس.

لم تكن الأيام الأولى سهلة. كان ليث يخرج مع فريق الصيانة في الجو الصعب وخصوصاً في الأيام الممطرة، حيث يتعلم كيفية تركيب الكاميرات وتشخيص الخلل وحتى التعامل مع الزبائن، لكن ما ميّزه كان إصراره على التعلم، حيث كان يسجل كل ملاحظة ويطرح الأسئلة، ويبقى بعد انتهاء فترة التدريب لمراجعة ما تعلمه.

يقول ليث: "لم تكن التجربة سهلة مطلقاً، لكنني كنت بحاجة لخوضها، كنت أعلم أنها ستعزز مجال تخصصي وقد تفتح لي باب الرزق".

 

الوظيفة - الحلم الذي أصبح حقيقة

لم يمرّ تفاني ليث في التدريب مرور الكرام، لاحظ مدير المكتب تميز ليث وسرعة تعلمه، خاصة حين قام بإصلاح عطل معقد في نظام مراقبة لأحدى الكاميرات، وهو ما وفر على المكتب وقتاً ومالاً.

مع نهاية الـ 40 يوماً من التدريب، استدعاه المدير إلى مكتبه. كانت لحظة مصيرية.

"حيث خاطبه مدير المكتب "ليث، نريدك أن تنضم إلينا بشكل دائم، أنت أثبت أنك تستحق الفرصة".

كانت هذه الكلمات مثل المطر بعد جفاف طويل، وظيفة مستقرة في مجال دراسته في بلد تعتبر فرص العمل قليلة فيه أصبحت الآن واقعاً ملموساً في حياة ليث.

الصور: يحيى عبد الكريم/ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق

الطموح الأكبر.. العمل الخاص

اليوم، يعمل ليث بدوام كامل، لكن أحلامه لم تتوقف عند هذا الإنجاز، بينما يدخر جزءاً من راتبه، يقول مبتسماً: "أطمح أن أجمع مبلغاً كافياً لأفتح مكتبي الخاص لتركيب وصيانة الكاميرات. أريد أن أصبح صاحب عمل، وأوفر فرصاً لشباب آخرين مثلي".

كما يسعى لمواصلة تعليمه، لمواكبة التطورات التكنولوجية وزيادة دخله.

"الصراحة احلامي كثيرة والطموح يزداد كل يوم في الوقت الحالي اود ان اكون مستقراً في حياتي" 

 

تمكين الشباب.. صناعة المستقبل

قصة ليث ليست مجرد نجاح فردي، بل هي جزء من مشروع أكبر يدعمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومة الألمانية لإعادة إعمار العراق اقتصادياً واجتماعياً.

منذ عام ٢٠١٥، بذلت جهود لإعادة الخدمات الأساسية، مما مكّن العديد من السكان من العودة إلى ديارهم. يدعم مشروع "بناء القدرة على الصمود من خلال العمل" التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والممول من الحكومة الألمانية عبر بنك التنمية الألماني، حيث يسعى لضمان العودة الآمنة من خلال التمكين الاقتصادي وإعادة بناء المساكن، مع التركيز على خمس محافظات محررة: الأنبار، وديالى، وكركوك، ونينوى، وصلاح الدين. يوفر البرنامج فرص عمل، ويعزز المهارات في قطاعي البناء والزراعة، ويدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. حتى الآن، تلقى أكثر من 5500 شاب وشابة تدريباً في مجالات مختلفة، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً في العراق.

ليث اليوم ليس مجرد موظف، بل قصة إلهام لكل شاب عراقي يؤمن أن الإرادة والتعلم يمكن أن يحول التحديات إلى فرص، وفي مدينة بدأت تزهر من جديد، أصبح حلمه بداية لفصل جديد.