رسم مستقبل التعليم في العراق من خلال الذكاء الجمعي

30 أبريل 2021

بوابة الجامعة التكنولوجية في بغداد- العراق، 2021 كاميرا إسراء الحمداني.

هذه المدونة هي الجزء الثاني من سلسلة مدونة "مبادرة التعلّم المدمج". إذ يمكنكم الإطلاع على الجزء الأول على هذا الرابط.

منذ عام أوأكثر، يتردد على مسامعنا تساؤلاً مجازياً ألا وهو "كيف يمكننا اليوم أن نعتبر التعليم عبر الانترنت تعلماً حقيقياً؟ فالتعلّم عادةً ما يكون ضمن الفصل الدراسي وبإشراف وتوجيه مباشر من التدريسيين المختصين!" لقد أدت القيود التي فرضت نتيجة انتشار وباء كورونا إلى اضطراب في أنظمة التعليم في كل أنحاء العالم. في العراق تحديداً، حدث تغيير مفاجئ في نظام التعليم لينتقل من التَعلم الحضوري في القاعات والصفوف إلى التعلم عبر الإنترنت ومن خلف شاشات الحاسوب. إن ظهور مثل هكذا تحديات يدعو مختبرات التسريع الانمائية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق إلى التدخل و البدء  بمهمة الاستشعار والاستكشاف وتجربة الحلول المحلية التي تدعم القطاع التعليمي في العراق لتبني التعلّم عبر الإنترنت وتهيئة منظومة  ملائمة لمستقبل النظام لتعليم بشكل شامل في البلاد. وبصفتي رئيسة الاستكشاف في مختبرات التسريع الانمائية في العراق، دفعني دوري هذا للتحقق والاستكشاف من خلال طرح التساؤل التالي: "ما هو النهج الأكثر كفاءةً وفعاليةً لتعزيزالتعلّم عبر الإنترنت في العراق في ظل انتشار الوباء؟ وكيف يمكن تضمينه  في نظام التعليم العالي الحالي في العراق؟"

إن امتلاك عقل متفتح للاستكشاف هو نقطة البداية لفهم نظام التعليم في العراق ويجب علينا دمج هذا مع مجموعة من المنهجيات المبتكرة لتحويل معرفتنا وفهمنا للواقع  إلى حلول تهيئ نظاماً تعليمياً ملائماً لمستقبل التعلم والتعليم في العراق. والهدف من الاستكشاف بهذه الطريقة هو فهم بيئة التعليم والتي تمتاز بأنها سريعة التغيير، و توليد المعرفة والمعلومات، والاستفادة من الرؤى لدعم تصميم وتجربة حلول جديدة تعزز التعليم في العراق. ستتم عملية الاستكشاف باستخدام مجموعة من الأدوات المبتكرة، منها: استكشاف الأفاق، وبناء الشراكات، والتفكير المنهجي (تفكير النظم)، وتوليد  الذكاء الجمعي لاستكشاف طرق تضمين التعلّم عبر الإنترنت في نظام التعليم الحالي في العراق وقيادة عملية التغيير. ستأخذنا هذه المدونة خلال رحلة الاستكشاف هذه لنصل إلى نتائج معرفية تدعم تطوير القطاع التعليمي العراقي.

مسح وتحديد المشاكل خلال ورشة الاستشعار والاستكشاف

●  استكشاف الآفاق  لتحديد نطاق العمل

في عام  2020 ، كرس  "فريق مختبرات التسريع الانمائية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق"  عمله في رحلة استكشاف مبتكرة باستخدام منهجية استكشاف الأفاق، وتحديداً: نهج مسح وتحديد إشارات التغيير لاستكشاف الأشارات  التي تؤثر على  نظام التعليم العالي في العراق في ظل انتشار كوفد-19. وقد رصدت مختبرات التسريع الأنمائية  إشارة إيجابية قوية الأ وهي التعلّم عبر الإنترنت، التي يمكن الاطلاع عليها في الجزء 1 من هذه المدونة.

أدى التقاط شارة التعلّم عبر الإنترنت إلى كسر في المخطط السببي لرحلة  التعلم في العراق وفتحت مجالاً من الفرص لتحسين المهارات الرقمية للشباب وتأهيلهم لمختلف الوظائف. لقد بين التقاط إشارة التغيير- إشارة التعلم عبر الإنترنيت - الى الحاجة لإجراء مجموعة من النقاشات والأبحاث مع مختلف الجهات المعنية واصحاب المصلحة المختلفين والجهات المستفيدة من أجل تحديد الفرص الاستراتيجية التي تعزز وتقوي إشارة التعليم عبر الإنترنت من أجل إحداث تغيير هيكلي في واقع نظام التعليم العراقي وذلك من خلال تضمين التعلّم المدمج كفرصة للتغيير. يقصد بالتعلّم المدمج هو التعليم والتعلم باستخدام كلا الطريقتين حضورياً  وعبر الإنترنت. إذ  يسمح بدمج التعلّم عبر الإنترنت في نظام التعليم بشكل مدروس  واختبار قابليته للتطبيق إلى جانب التعلّم الحضوري، مما يضمن قدرته على التكيف مع التحديات الناشئة وتعزيز القدرات الرقمية للشباب العراقي. لذلك سعى فريق مختبرات التسريع الانمائية إلى تضمين التعلّم المدمج في عمل مختلف الجهات المستفيدة وذلك لتحقيق أثر ذو نطاق أوسع.

 
●  من هم الشركاء المثاليون لتبني التعلّم المدمج ضمن نظام التعليم العالي في العراق؟
 

للإجابة على هذا السؤال، قامت مختبرات التسريع الانمائية في العراق بتحديد الجهات المعنية بهذه  الاشارة من خلال استخدام مخطط جهات ذات المصلحة، وذلك  لمعرفة  الشركاء المحتملين والاكثر احداثاً للتغير ممن يمتلك المعلومات والمعرفة الجيدة ، والقدرة والامكانية والموارد الكافية  للعمل مع المختبر في اطلاق مبادرة تضمين التعلّم المدمج في نظام التعليم العالي في العراق.  بدأ الفريق  بتحديد الجهات المعنية المحتملة كالحكومة، والمؤسسات والشركات الكبرى، ومنظمات المجتمع المدني، والمبدعين الاجتماعيين والمواطنين، وكشفت هذه المرحلة أن الحكومة العراقية هي الجهة المعنية التي لديها القدرة والسلطة لإحداث تغييرات هيكلية طويلة الأمد في نظام التعليم من خلال تبني السياسات والقوانين المناسبة. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هي الجهة الحكومية المسؤولة عن تصميم المناهج وتطبيقها ولديها القدرة على بناء قدرات الأخصائيين في التعليم العالي، وهي ملتزمة بتضمين التعلّم المدمج وتعزيز نظام التعليم العراقي.

لقد استطعنا باستخدام منهجيات الشراكة المبتكرة من اختيار الشريك الأكثر تأثيراً في دفع عملية التغيير وبناء شراكة رسمية بين مختبرات التسريع الإنمائية في العراق ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وإطلاق "مبادرة التعلّم المدمج". تعتبر هذه احدى الانجازات الكبرى والرئيسية  للمختبر، مما ساعد في استخدام  أداة التحليل "رصد إشارات التغيير" ضمن عمل اروقة الوزارة و استخدام  التعلّم المدمج والمنهجيات المبتكرة في عمل الحكومة العراقية. اذ انه التعاون الرسمي الأول بين المكتب القطري  لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن هنا كانت مختبرات التسريع الانمائية  التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق رائداً في بناء هذه الشراكة. 

●  استخدام نهج "مسح وتحديد الانظمة" لمعرفة نطاق ومستوى التدخل

قامت مختبرات التسريع الإنمائية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق بمسح ودراسة نظام التعليم العالي في العراق لفهم واستشعار التحديات المحتملة وتحليلها واكتشاف الفرص وأوجه التعاون بين الطرفين، وذلك من خلال استخدام مخطط المشاكل كأداة للتحليل.  وقد تضمنت عملية التحليل إستخدام مبدأ الألعاب التنافسية والجلسات التفاعلية عبر الانترنت وايضاً إجراء مجموعة من مقابلات مع أصحاب العلاقة من خلال عقد جلسات عمل مشتركة عديدة.  وبعد مرحلتين من الاستكشاف تمت خلال عامي 2020 و2021 مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خَلُصَت الى استنتاج مجموعة من الرؤى القيمة.

 تمكن الفريق في مرحلة الاستكشاف الاولى في عام 2020 من فهم النظام التعليمي من خلال إشراك كافة الشركاء في دراسة وتحليل مختلف التداخلات بين مشاكل  النظام التعليمي من أجل تحديد نقاط التداخل الحرجة. وقد أظهرت هذه الدراسة ضرورة العمل على مختلف العوامل في النظام التعليمي لإدراج التعلم المدمج فيه والتي تشمل طرائق  إيصال  المنهاج  للطلاب في الجامعات والأدوات المستخدمة للتواصل والتقييم خلال التعلم  وسلوكيات الجامعات والمدرسين عند استخدامهم  لأدوات الرقمية. وأما في المرحلة الثانية في 2021، فقد  تبين أن تغيير القاعدة التي تؤهل الخريجين  المهتمين بالتدريس في نظام التعليم العالي العراقي يبدأ من تغيير في المناهج المستخدمة في دورات  طرائق التدريس في  35 مركزاً للتعلّم المستمر في عموم الجامعات العراقية. والأمر الثاني، أدت   عملية مسح وتحديد النظام داخل مراكز التعلّم المستمر إلى رسم خريطة الخبرات. وقد أظهرت أن هنالك وفرة في الخبرات البشرية  في مجال طرائق التدريس، في حين هنالك  قلة في توفر الخبرات في مجال تصميم التعلّم المدمج وأدواته. يرجع  السبب لوجود هذه  الفجوة الى أن الجامعات العراقية قد اعتمدت على طرائق التدريس التقليدية والتعلم الحضوري ودون استخدام كبير للطرق والوسائل التعليمية المعتمدة على الإنترنت قبل الوباء. من أجل تحقيق أهداف مختبرات التسريع الإنمائية في الاستجابة للتحديات، تم تشكيل لجنة مكونة من 17 متخصصاً في مناهج طرائق التدريس بالاضافة الى تعيين مستشاراً للتعلّم المدمج لتطوير القدرات المحلية ودعم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتهيئة نظام تعليمي ملائم لمستقبل التعليم بخبرات محلية.

مختبرات التسريع التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في رحلة الاستكشاف في العراق

●  بناء الذكاء الجمعي

يعتبر رئيس الاستكشاف هو مستشعرالتغييرضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. حيث يقوم  بدمج الإشارات وجمع الأدلة القابلة للقياس على ارض الواقع  لبناء مايسمى ب "الذكاء الجمعي" وتقديم حلول جديدة تلبي حاجات المجتمع. ولجمع الأدلة، كانت "مبادرة التعلّم المدمج" هي المبادر والمنفذ لإحدى أكبر وأوسع عمليات جمع وتحليل البيانات الخاصة بمنهاج طرائق التدريس المعتمدة في مراكز التعليم المستمر الحالية وطرق تنفيذها. بدأت العملية بجمع وتحليل 19 منهاج لطرائق التدريس من جامعات عراقية مختلفة. وركز التحليل على الهيكل الحالي للمنهاج ودرجة تضمين ادوات التعلّم المدمج داخل المنهاج. وتم إثراء ذلك بإجراء مقابلات نوعية مع تسع جهات معنية مختلفة، ضمت اختصاصيين في التعليم ومع الطلبة ايضاً. لقد أتاحت لنا المقابلات النوعية استشعار واستكشاف مواقف وتصورات الجهات المعنية الرئيسة والتركيز على القدرات والفرص والدوافع الحالية للمشاركة في التعلّم المدمج. وقاد تضافر الجهود إلى بناء ذكاء جمعي في ثلاثة مجالات سوف تستخدم في تعزيز صنع القرار وهي كالتالي:

  1. 1- هيكلية وتصميم المناهج: تتضمن معظم المناهج الدراسية بعضاً من خصائص التعلّم المدمج.

  2. 2- المحتوى العلمي في المناهج: تحتوي المناهج على بعض نقاط الضعف منها غياب استخدام التعليم المدمج لإجراء عمليات التقييم والتقدير، وعدم وجود منهج موحد لطرائق التدريس في الجامعات، وأيضا قلة تنوع الاختصاصات في المناهج.

    3- احتياجات بناء القدرات: أظهر التحليل غياباً واضحاً للتعلّم المدمج والمهارات الرقمية لدى مختلف الجهات المعنية. وهو ما يؤثر على قابلية تكيف نظام التعليم العالي العراقي مع التعلّم المدمج.

وقد أدى استخدام المنهجيات المبتكرة تلك إلى ترحيب الحكومة العراقية بِدَور مختبرات التسريع الانمائية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق لإحداث تغيير هيكلي في نظام التعليم العالي. حيث بينت ممثلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان: "مختبرات التسريع الانمائية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق يبادرويطبق البرامج بطريقة مختلفة. اذ انهم  في الواقع يحاولون فهم الوضع الراهن، ولا ينفردون بذلك الفهم بل يتعاونون مع الجهات المعنية المختلفة، لإيجاد حلول لتهيئ نظام تعليمي يكون ملائم لمستقبل التعليم وتسرع من عجلة تطوير نظام التعليم في العراق" .اذ ان  الذكاء الجماعي الذي تم توليده من خلال مرحلة الاستشعار والأستكشاف سيغني مرحلتي  التصميم والاختبار لمنهاج طرائق التدريس المحدَّث الذي سوف يتم كتابته بأيدي خبراء محليين من ذوي الاختصاص، والذي سيقودنا الى تطوير نظام التعليم العالي العراقي ليكون أكثر حداثة.

لجنة "مبادرة التعلّم المدمج" أثناء عملها