أول فضاء عام في مدينة اجدابيا: مكانٌ للبهجة والأُلفة والشعور بالانتماء إلى المُجتمع

24 مايو 2023

محمد عطا، طالب من مدينة اجدابيا

عبدالعظيم عجاج / برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

محمد عطا هو طالب من مدينة اجدابيا يبلغُ من العمر 13 عاماً وينتظر بفارغ الصبر نهاية اليوم الدراسي حتى يتمكن من اللعب في الحديقة التي افتتحت مؤخراً في المدينة. قال محمد... "كان والدي في البداية متردداً في السماح لي بالذهاب بمفردي، ولكن عندما أخبرته أن جميع أصدقائي يذهبون هناك، اصطحبني إليه ورأى أنهُ مكان آمن ومثالي لكي نلهو ونستمتع بوقتنا". أصبحت الحديقة هي المكان الذي يتواجد فيه محمد وأصدقاؤه حيثُ يلعبون ويمرحون. وتابع محمد قائلاً... "نحنُ نعشق ممارسة الأنشطة البدنية، مثل التسلق ولعب المباريات والتنافس فيما بيننا. الوقت يمر بسرعة كبيرة وأقضي معظمهُ مع أصدقائي وألتقي بأطفال جدد من الحي."

اجدابيا هي مدينة يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام ويبلغ عدد سكانها ما يقارب من 180 ألف نسمة. بموقعها على بعد 150 كم غرب مدينة بنغازي، تشكلُ المدينة مثلثاً يربطها مع الكفرة على الرأس والنوفلية والجبل الأخضر عند القاعدة. يعود تاريخ اجدابيا إلى العصر الروماني، وكانت مركزاً مهماً لتجارة القوافل وساهمت في إثراء الثقافة الليبية المتنوعة. تشتهر اجدابيا بشُعرائها وكُتّابها ورياضاتها مما يجعلها مدينة تاريخية فريدة. مع ذلك، وقبل تحديث المنتزه الجديد بالمدينة، لم يكن هنالك فضاء عام تجتمع فيه وتقصده المجتمعات المحلية والعائلات القاطنة في المدينة. يتذكر محمد عطا ويسرد... "في السابق، لم يكن والدي يسمح لي بمغادرة المنزل لأنه لم تتوفر أماكن مخصصة للعب، وكانت هناك دائماً مشاكل مع الشباب الآخرين".

مبادرة المُجتمع المدني التي غيّرت من مظهر الساحة التاريخية

السيدة زهرة أبوبكر الساعدي والسيدة سمية الشويهدي، متطوعتان لدى الهلال الأحمر الليبي

عبدالعظيم عجاج / برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

سعياً لمعالجة مسألة الافتقار إلى مساحات عامة داخل المدينة، اجتمع متطوعو جمعية الهلال الأحمر الليبي، وهي منظمة مجتمع مدني مكرسة للعمل التطوعي بمدينة اجدابيا، لإعداد مُقترح لعناية البرنامج الإنمائي بفكرة تحويل ساحة العلم التاريخية القديمة والمُهملة بمركز المدينة إلى حديقة ترفيهية. أوضحت السيدة زهرة أبو بكر الساعدي، بصفتها أحد المسؤولين وقدامى المتطوعين في الجمعية، كيف أنها عاصرت الفترات التاريخية التي مر بها هذا المكان، والتي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي إبان عهد الملك إدريس، وتابعت قائلةً...  "عندما كُنتُ فتاة، كان هذا المكان يرمز للجمال والعظمة ". إلا أن التغييرات في النظام السياسي تركت الساحة مُهملة ومليئة بالتراب والقمامة.

كما تفضلت السيدة سمية الشويهدي، وهي متطوعة أخرى لدى الهلال الأحمر الليبي من اللواتي شاركن في إحداث هذه النقلة بجعل الحديقة حقيقة واقعة، قائلةً... "تُعد الحدائق العامة ضرورية لتعزيز ثقافة اللاعنف والسلام. وفي ظل النزاعات المستمرة التي شهدتها ليبيا في العقود الأخيرة، من المهم أن يكون للشباب أماكن يمكنهم التوجه إليها للاسترخاء وممارسة الرياضة والجلوس بصحبة الأصدقاء". ترى الشويهدي أن وجود حدائق عامة من شأنه أن يساعد الأطفال على بناء مهاراتهم الاجتماعية وتشجيع التفاعلات الإيجابية، وأضافت في هذا الصدد... "يحتاج الأطفال إلى قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق مع أولياء أمورهم وأصدقائهم بدلاً من الجلوس بمفردهم أمام شاشة التلفاز. توفر الحدائق العامة بيئة آمنة وصحية للأطفال للعب والمتعة ".

مُنتزه الهلال الأحمر: مصدر جديد للأمل والتنمية

السيدة محمد البهايجي، مدير المشاريع، بلدية اجدابيا

عبدالعظيم عجاج / برنامج الأمم المتحدة الإنمائي

ساهم السيد محمد البهايجي، بصفته مديراً للمشاريع في بلدية اجدابيا، في جعل مُنتزه الهلال الأحمر مكاناً آمناً وممتعاً للعائلات القاطنة في مدينة اجدابيا. السيد البهايجي نفسه مُتحمس بشكل خاص للحديقة الجديدة، لأنها توفر للأطفال فرصة للتعرف واللعب والنماء. ويعلق السيد البهايجي قائلاً. "تُعد الحديقة المحلية وسيلة رائعة بالنسبة للوالدين للتفاعل مع أطفالهم ومساعدتهم على النمو والتطور، حيثُ أنها مصدر للبهجة الخالصة ومن شأنها أن تعزز التطور في المدينة وخلق أجواء من الحرية والراحة. وعند زيارتها ستجد أن هنالك ديناميكية اجتماعية فريدة لا يمكنك أن تشاهدها في أي مكان آخر ".

استكملت أعمال إعادة تأهيل الساحة في شهر سبتمبر 2022، وقد سُميت تيمناً بجمعية الهلال الأحمر باعتبارها أول من بادر بإنشاء هذه المساحة العامة الرائدة في المدينة. يعمل المنتزه بمثابة متنفس للمجتمعات المحلية والزوار كي يلتقوا ويسترخوا ويستمتعوا بوقتهم، ويعدُ مكاناً مثالياً يجتذب الأطفال للمرح والترويح بعد انتهاء الدوام المدرسي. 

يأتي مشروع إعادة التأهيل في إطار جهود البرنامج الإنمائي لبناء السلام المحلي والصمود في شرق ليبيا وذلك من خلال برنامج بلديتي الممول من الاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 2018، استفاد حوالي 150,000 مواطن، من إجمالي عدد سكان أجدابيا البالغ 190,000 نسمة، من إعادة تأهيل البنية التحتية الحيوية وتوفير المعدات، لاسيما شاحنات مكافحة الحرائق، وآلات رش المبيدات، وشفاطات مياه الصرف الصحي، وسيارات الإسعاف، ومعدات المستشفيات الموردة إلى مستشفى المدينة. وبفضل منتزه الهلال الأحمر، أصبح للعائلات القاطنة في مدينة أجدابيا مكان آمن وصحي لتنمو فيه وتجمع الذكريات التي تخلد في الأذهان.

الأطفال يلعبون بالحديقة الجديدة في اجدابيا

عبدالعظيم عجاج / برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
تم إعادة تأهيل منتزه الهلال الأحمر بمدينة اجدابيا في إطار برنامج "بلديتي" الذي يموله الاتحاد الأوروبي ويتولى تنفيذه البرنامج الإنمائي والوكالة الإيطالية للتعاون التنموي واليونيسيف. يعمل برنامج "التعافي والاستقرار وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية"، الذي تبلغ تكلفته 50 مليون يورو، حاليًا مع 24 بلدية في جميع أنحاء ليبيا بهدف تحسين فرص حصول المواطنين على الخدمات العامة ذات النوعية الجيدة مثل التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي. يجري تمويل البرنامج بواسطة الاتحاد الأوروبي من خلال الصندوق الائتماني للطوارئ من أجل فريقيا، بُغية تحسين الظروف المعيشية وبناء القدرة على الصمود بين الفئات الأكثر احتياجاً من السكان، لاسيما المهاجرين واللاجئين والنازحين والعائدين إلى ديارهم والمجتمعات المضيفة.