صُنع في اليمن: شباب يبتكرون حلولاً محليةً ومصممةً لتدوم
12 أغسطس 2025
يستخدم العمال المعدات المشتراة حديثاً لتنظيف الألواح الشمسية.
في اليمن، حيث تركت سنوات الصراع والانهيار الاقتصادي 32% من الشباب بلا عمل، غالبًا ما تبدو الفرص بعيدة المنال. لكن في خضم هذه التحديات، يبرز جيل من رواد الأعمال ليحوّلوا الفجوات في السوق إلى مشاريع مزدهرة تُسهم في تعليم الأطفال، وتمكين المرأة، وتطوير الطاقة النظيفة، وفتح آفاق الاقتصاد التكنولوجي.
من خلال مشروع تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا في اليمن، المدعوم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، والذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر– يتلقى الشباب التدريب ورأس المال الأولي والتوجيه اللازمين لنقل أفكارهم من مجرد فكرة إلى واقع ملموس يُحدث فرقاً في المجتمع. وحتى الآن، أكمل 283 شابًا التدريب التقني، وحصل تسعة وستون منهم بالفعل على منح وأصول تجارية لبدء مشاريعهم.
في هذا اليوم الدولي للشباب، نحتفل بشادية وفاطمة، اللتين تعيدان ابتكار أساليب التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والمنتجات الطبيعية للعناية بالجمال، وإبراهيم الذي أسس مشروع خدمات صيانة وتنظيف الألواح الشمسية، وياسر، الذي يدرب مجموعة جديدة من المبتكرين في مجال الروبوتات والطاقة المتجددة. معاً ومن خلال الدعم المناسب، يبرهنون هؤلاء بأن الشباب اليمني قادر على إبتكار مستقبلاً أكثر إشراقاً.
سد الفجوات بروح الابتكار
بدأ عمل شادية انطلاقاً من ثغرة واضحة؛ لم تتوفّر تقريبًا أي ألعاب تعليمية مصنوعة محليًا في اليمن. خلال زيارتها للفصول الدراسية، لاحظت كيف كان المعلمين والمعلمات يواجهون صعوبة في إيجاد مواد تعليمية بأسعار معقولة ومناسبة لنمو الأطفال. كانت السلع المستوردة شحيحة وباهظة الثمن، مما اضطر المعلمين والمعلمات إلى الارتجال بما هو متاح لديهن. بالتعاون مع شريكتها فاطمة، أطلقت شادية مشروع "دُرّي" بقيادة شبابية يهدف إلى صناعة ألعاب حسية تعليمية من القماش والخشب. صُممت كل لعبة لـتنمية حب التطلع ودعم التطور المبكر للطفل.
يتجمع الأطفال حول شادية، يستمعون بانتباه ويظهرون اهتماماً كبيرا.
اليوم، تُستخدم منتجات "دُرّي" في عشرات رياض الأطفال. لم تقتصر فائدتها على تقليل الحاجة إلى استيراد البضائع فحسب، بل إنها تدمج الثقافة المحلية في عملية التعلم.
تقول أسماء، مديرة روضة أطفال في صنعاء: "الآن لدينا ألعاب تعليمية عالية الجودة صُنعت بأيدي شبابنا. هذا يغرس الفخر ويُضفي معنى وقيمة لفصولنا الدراسية."
فاطمة أيضًا بَنت شركتها لسد فجوة ملحة في السوق. بصفتها أخصائية في العناية بالشعر في عدن، شاهدت الآثار الضارة للمنتجات المشبَّعة بالمواد الكيميائية وغياب البدائل الآمنة والطبيعية. مستلهمة من التقاليد اليمنية، أنشأت "تامز بيوتي"، التي تقدم زيوتًا وصابونًا ومنتجات للعناية بالبشرة مصنوعة من مكونات محلية مثل السدر والسمسم والحناء.
فاطمة تفحص جودة عملية الخلط.
ما بدأ بعبوة واحدة توسع ليصبح خط إنتاج متعدد المنتجات، يوظف النساء في كل مرحلة من مراحل الإنتاج – من توريد المكونات من المزارعين المحليين إلى التعبئة والتوزيع. مع تزايد الطلب، استثمرت فاطمة في المعدات لتوسيع الإنتاج مع تقليل الهدر إلى الحد الأدنى. تصل منتجات "تامز بيوتي" الآن إلى العملاء في جميع أنحاء البلاد وتخلق سبل عيش للنساء اللواتي يبعن المنتجات في مجتمعاتهن.
فاطمة تُحضّر ملصقات المنتجات.
الابتكار من أجل تلبية الاحتياجات اليومية
جاء ابتكار إبراهيم نتيجة لاستماعه لعملائه. أثناء عمله كفني تركيب للطاقة الشمسية، كان يسمع نفس الشكوى مرارًا وتكرارًا: ينخفض أداء الألواح بعد التركيب. لم تكن المشكلة في المعدات؛ بل في نقص الصيانة. تراكم الغبار كان يقلل الكفاءة، ولم يكن أحد يقدم حلاً.
كان جوابه هو "سولار كير" خدمة لتنظيف وصيانة الألواح الشمسية في اليمن. باستخدام أدوات التنظيف الجاف بدلًا من الماء، فإن العملية أكثر أمانًا للمعدات وأكثر استدامة في بلد يعاني من شحة المياه. يشرح قائلًا: "هذا يجنب الألواح الشمسية التلف ويقلل هدر المياه."
إبراهيم يفحص بعناية شبكة الأسلاك، ويتحقق من كل وصلة لضمان أن النظام يعمل بأمان وكفاءة.
من خدمة يقدمها رجل واحد، توسع عمله ليشمل التركيب والفحص والصيانة المستمرة للمنازل والشركات الصغيرة. يمكن لفريقه تنظيف ما يصل إلى ستمائة لوح شمسي في أربع ساعات، مما يعزز كفاءة النظام وموثوقية الطاقة المنزلية. لم يقتصر الأمر على استقرار دخل إبراهيم الخاص، بل خلق فرص عمل لفنيين شباب آخرين.
بالنسبة لياسر، فقد استلهم فكرة مشروعه من طفولته. كان ياسر مفتوناً بالإلكترونيات، فأمضى سنوات في استكشاف الدوائر والروبوتات والطاقة المتجددة، وكان يعلم نفسه مهارات لم تكن متوفرة في المدارس المحلية. اليوم، يدير مركزاً تدريبيًا يُعرف باسم "مستر روبوت" ويقدم دورات في الأتمتة الصناعية، وأنظمة التحكم، والطاقة النظيفة للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين طلاب المدارس المتوسطة وخريجي الجامعات. وقد ذهب بعضهم ليفتحوا مراكزهم الخاصة مما يساهم في نشر المعرفة على نطاق أوسع.
ياسر يشرح احدى العمليات الهندسية لطلابه.
تشمل برامجه الآن الروبوتات وتطوير التطبيقات والذكاء الاصطناعي – وهي مهارات تربط شباب اليمن بالفرص المحلية والاقتصاد الرقمي العالمي. يقول ياسر: "الشباب متشوقون لهذا النوع من المعرفة. حتى الشابات يدخلن مجال الروبوتات والأتمتة، وهذا يعكس تغيراً في العقلية."
ياسر يحمل احد الربوتات التي بناه.
مسار مشترك نحو المستقبل
على الرغم من اختلاف منتجاتهم، من الألعاب اليدوية إلى صيانة الألواح الشمسية، يشترك هؤلاء رواد الأعمال في نهج مشترك: البدء بحاجة حقيقية، وإنشاء حل محلي، وبنائه ليدوم. عملهم يوفر المنتجات الضرورية، ويعزز التعليم، ويخفض التكاليف المالية على الأسر، ويجعل الابتكار متاحًا لعدد أكبر من الناس.
تقول أسماء: "عندما يقود الشباب، يكسب الجميع – الأطفال، والعائلات، والمدارس، والمجتمعات بأكملها."
هذه ليست نجاحات متفرقة؛ بل هي أساس لتقدم مستدام يقوده المجتمع. وفي بلد حيث يمكن أن تبدو التحديات لا نهاية لها، فإن نجاح رواد الأعمال الشباب في اليمن هو تذكير بأنه عندما تلتقي الفرصة بالعزيمة، فإن التغيير الإيجابي ليس ممكنًا فحسب، بل حتمي.