خمسة قادة شباب من المنطقة العربية يمنحوننا الأمل في التصدي لظاهرة تغير المناخ

11 أغسطس 2022

ستشكل أزمة المناخ واستجابتنا الجماعية لها حياة كل شاب حول العالم، فوفقاً لدراسة أجريت عام 2021، أفاد الكثير منهم أنهم يشعرون بالحزن أو القلق أو الغضب أو العجز أو قلة الحيلة أو حتى بالذنب بشأن تغير المناخ.

وتلك المشاعر لها ما يبررها، فالشباب من الفئات الأكثر عرضة للآثار البيئية التي تدوم مدى الحياة والناجمة عن تغير المناخ، ويتم استبعادهم في معظم الأحيان من مناصب القوة والتأثير في عملية صنع القرار على الصعيد الوطني.

وربما لا يكون هذا الأمر أكثر صحة مما هو عليه في العالم النامي.

وتؤدي أزمة المناخ في منطقة الدول العربية، حيث يوجد حوالي 60 بالمائة من السكان دون سن الثلاثين، إلى تفاقم أوجه الضعف البيئية وتعريض عدد متزايد من المجتمعات المحلية لانعدام الأمن الغذائي والمائي، والظروف الجوية القاسية، والصراع على الموارد المتناقصة، والنزوح.

وفي ظل تلك التحديات، يضطلع العديد من الشباب بمسؤولية القيادة المناخية، وانطلاقاً من رغبتهم في المشاركة بشكل هادف في العمل المناخي، يتبنى هؤلاء الشباب مجموعة متنوعة من الأدوار في الحكومة والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والإعلام والقطاع الخاص ويعملون على الاستجابة لأكبر تهديد للإنسانية.

ولا يعمل هؤلاء الشباب وحدهم، فهناك مبادرات مثل برنامج القيادة الشبابية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تدعم الشباب في منطقة الدول العربية ليصبحوا عناصر للتغيير الاجتماعي الإيجابي وخلق حلول للتنمية المستدامة. كما يعمل برنامج الوعد المناخي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الحكومات في المنطقة لإشراك الشباب في المشاورات بشأن التعهدات المناخية الوطنية وتصميم سياسات محددة تمكن الشباب من قيادة العمل المناخي.

فيما يلي خمسة من قادة المناخ الشباب المؤثرين من الدول العربية الذين يمنحوننا الأمل في عالم ملتزم بحل أزمة المناخ.

إلسي | المفاوضة

نشأت إلسي محاطة بالتنوع البيولوجي الغني في لبنان، والمعروف بأرض أشجار الأرز العتيقة منذ أيام جلجامش. وغرس فيها والدها القناعة بأنها إذا اهتمت بالطبيعة، فإن الطبيعة ستكافئها على ذلك.

ولكن مع مرور السنين، بدأت إلسي تدرك أن بلدها لم يعد مشهوراً بجمال أشجاره وشواطئه، بل أصبح مشهوراً بتلوثه.

وكان السبب الرئيسي لهذا التلوث هو إنتاج الطاقة، لذلك قررت إلسي دراسة الكيمياء لأنها رأت أنها جسر يربط بين جميع العلوم التي يمكن أن تساعد البلدان في إنتاج الطاقة اللازمة للتنمية، بدون تدمير البيئة.

"لطالما أحببت حل المشكلات منذ أن كنت صغيرة. وهذا أيضاً ما أفعله الآن بعد أن أصبحت مهندسة".

وتعتقد إلسي، التي تصف نفسها بأنها وسطية، أنه ليس كل البلدان قادرة على التخلي بشكل واقعي عن الوقود الأحفوري بالسرعة المطلوبة وتدعو إلى مزيج عادل من الطاقة مصمم خصيصاً لتلبية قدرات واحتياجات كل بلد. وتركز إلسي أبحاثها على تقنيات الكربون التي تلتقط ثاني أكسيد الكربون وتخزنه وتستخدمه. ومن المقرر أن تبدأ إلسي قريباً تعاوناً لمدة عام مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة للعمل على صياغة سياسات تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات  الدفيئة.

في عام 2020 انضمت إلسي إلى برنامج القيادة الشبابية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وبعد وقوع انفجار مرفأ بيروت في العام نفسه، شاركت إلسي في تأسيس مبادرة الهندسة المستدامة وعلوم الحياة التي تعمل على تطوير رؤية لبيروت مستدامة. وفي عام 2021، نقلت إلسي تلك الرؤية الجماعية إلى القمة السابقة لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26) التي أقيمت في إيطاليا.

تتقن إلسي دورها كوسيط بفضل كونها متحدثة عامة رائعة وتحدثها عدة لغات بطلاقة. وتعتقد إلسي أن العالم يتسم بدرجة كبيرة من التناقض، ولذلك فإنها تسعى للمساعدة في بناء جسور للتغلب على هذه الانقسامات. من المؤكد أن الشغف والإصرار الذي تتمتع به إلسي سيجعلان منها نموذجاً يحتذى به للأجيال الجديدة من النشطاء في مجال المناخ.

"أنا فخورة جداً بجيلي. فنحن ندرك أزمة المناخ، ونعرف ما نريد."

سالم | رائد الأعمال الاجتماعي

بدأ اهتمام سالم بالقضايا البيئية عندما كان يكمل دراسته المتخصصة في مجال الأعمال التجارية في كندا، واسترعى انتباهه بشكل خاص حي الزبالين، جامعي القمامة الاستثنائيين في محافظة القاهرة الذين يعيدون تدوير ما يصل إلى 90 بالمائة من نفايات المدينة.

وبمجرد تخرجه قرر سالم الانتقال إلى مصر والتطوع لدى جمعية حماية البيئة من التلوث، والعمل على تحسين حياة هذا المجتمع المهمش والمرن والزاخر بالموارد بشكل مذهل في الوقت نفسه والذي يدير نظام إعادة التدوير الأكثر كفاءة في العالم.

"أردت أن أعمل بين جامعي القمامة وأتعلم منهم. فهم رواد أعمال اجتماعيون حقيقيون”.

ولد سالم في باريس لعائلة من أصول مصرية وفلسطينية، وأصبح منذ انتقاله إلى مصر رائد أعمال اجتماعي بارز، وشارك في تأسيس شركة بسيطة، وهي مؤسسة اجتماعية نفذت عدداً من المبادرات البيئية الناجحة في مصر.=

وواحدة من تلك المبادرات مبادرة باسم "فيري نايل" (VeryNile) والتي تهدف إلى مساعدة الصيادين الذين يواجهون مشكلة انخفاض مخزون الأسماك من أجل تحسين سبل معيشتهم وذلك بأن يصبحوا رواد أعمال بيئيين يقومون بتنظيف نهر النيل كل يوم. وهناك مبادرة أخرى باسم "كليك فاندينج" (Clickfunding) أو التمويل عبر الضغط، والتي نجحت في جمع تبرعات تزيد قيمتها على 700,000 دولار أمريكي لمبادرات ذات أثر اجتماعي.

وفي عام 2021 وتقديراً لعمله الرائد، فاز سالم بجائزة أفضل رائد أعمال اجتماعي من جوائز ريادة الأعمال في مصر.

ولكن من وجهة نظر سالم، النجاح لا يعني الرضا عن النفس، فهو يحب الذهاب إلى أماكن لم يزرها أحد من قبله. ما دفعه مؤخراً إلى ترك مسؤولية بسيطة في أيدي فريق مؤهل للتركيز على خفض انبعاثات الكربون من خلال التكنولوجيا المالية المناخية. ويعمل سالم حالياً ضمن مبادرة "وي إيرث"(WeEarth)، التي تساعد الناس على تعويض انبعاثاتهم من الكربون من خلال أرصدة الكربون.

يعتقد سالم أن أرصدة الكربون يمكن أن تغير قواعد اللعبة بشكل حقيقي، حيث تعمل على تقليل انبعاثات الكربون مع توفير الأموال لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً على بناء حياة أفضل. بروح دؤوبة ودافع لتحدي الافتراضات السائدة، يسعى سالم إلى تحقيق رؤيته في الحياة.

"نحن نريد أن نكون مصدر إلهام للمواطنين للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر أينما كانوا، وأياً كان ما يفعلوه."

عبد العزيز | موظف الخدمة المدنية

يرى عبد العزيز أن الماء والطاقة هما في صميم التنمية البشرية، ولكن لا يمكن الوصول إليهما بسهولة دائماً، وهذه حقيقة واضحة تحديداً في المجتمعات الريفية المنتشرة في أنحاء المملكة العربية السعودية.

وبصفته مهندساً لامعاً توجهه روح التعاطف والشعور القوي بالواجب المدني، يهتم عبد العزيز بإيجاد حلول من شأنها تحسين حياة من هم في حاجة ماسة. وأثناء مشاركته في برنامج القيادة الشبابية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صمم عبد العزيز نظاماً ينشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل محطات تحلية المياه ويستخدم المياه النظيفة الناتجة لدعم الأسر المحلية وإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يستخدم أيضاً كمصدر طاقة للمجتمع.

ويرى عبد العزيز أن هذه الأنواع من الأنظمة الدائرية الصغيرة هي مستقبل العمل المناخي، ويأمل أن يتم تبنيها وتنفيذها على نطاق واسع خلال السنوات القادمة.

"أفكر دائماً في الحلول التي نحتاجها لنصل إلى حيث نريد أن نكون".

يعمل عبد العزيز حالياً أخصائي طاقة في وزارة الطاقة، ويستغل خبرته للمساعدة في تصميم استراتيجيات وسياسات تعزز أجندة الطاقة المستدامة للمملكة.

ويسعى عبد العزيز في الوقت نفسه للحصول على درجة الماجستير في الهندسة والبحث عن حلول لتخزين الطاقة لا تعتمد على بطاريات الليثيوم، والتي لا يمكن إعادة تدويرها. وتتضمن أبحاثه تقييم جدوى تخزين طاقة الهواء السائل، نظراً لأن هذه التكنولوجيا أقل استهلاكاً الموارد ولا تتطلب التنقيب عن العناصر الأرضية النادرة.

ويحرك عبد العزيز في كل ما يقوم به رغبته في ترك العالم مكاناً أفضل لأطفاله. فهو ممتن للحس المجتمعي والدعم الذي وجده في وطنه ويفتخر بالدعم الذي قدمته حكومة بلاده له ولغيره من الشباب للمشاركة في العمل المناخي.

"نحن لا نريد نقل هذا التحدي إلى الجيل القادم، بل نسعى إلى حله الآن."

أمينة | المبتكرة

حتى سنوات قليلة مضت، لم يكن تغير المناخ من ضمن اهتمامات أمينة. وكان اليمن في ذلك الوقت يشهد حرباً، وكان الحصول على الغذاء والرعاية الصحية والسلامة من الأولويات الأكبر بكثير للناس في بلدها. ولكن بعد ذلك في عام 2020، انضمت أمينة إلى برنامج القيادة الشبابية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وأدركت مدى أهمية العمل المناخي.

وكجزء من البرنامج كان يتعين على أمينة تصميم مبادرة لتعزيز الاستدامة، ما جعلها تفكر في العائلات اليمنية التي فقدت منازلها خلال الحرب والكمية المفرطة من البلاستيك التي تخلص منها الناس كل يوم وتساءلت عما إذا كان بالإمكان معالجة هاتين المشكلتين معاً بطريقة أو بأخرى.

وتتمتع أمينة بخلفية في مجال التسويق، وهي شخصية محبة للاستطلاع ومبدعة. وقد ابتكرت خطة لاستخدام البلاستيك المعاد تدويره لصنع مواد بناء تدعم جهود إعادة الإعمار في البلاد.

"لقد أجريت بعض الأبحاث ولاحظت أن هناك بلدان أخرى تفعل ذلك. لكنني أردت تهيئة الطريقة مع الأوضاع في اليمن، فكل بلد له ظروف مختلفة".

هذه العملية إبداعية وخلاقة، فبمجرد جمع البلاستيك وغسله، يتم تكسيره إلى قطع صغيرة يتم خلطها بعد ذلك مع مواد أخرى، مثل الأسمنت، لصنع الطوب. وتجري أمينة حالياً مجموعة من الاختبارات النهائية، بدعم من مهندس مدني، وستبدأ قريباً في تنفيذ فكرتها بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ترى أمينة أن ليس هناك وقت نضيعه عندما يتعلق الأمر بالعمل المناخي. وليس هناك شك في أنها ستواصل ابتكار وتطوير حلول مناخية جديدة لمصلحة بلدها والعالم أجمع بفضل مهاراتها الإبداعية وأفكارها الابتكارية وقدرتها على التكيف.

ويحرك عبد العزيز في كل ما يقوم به رغبته في ترك العالم مكاناً أفضل لأطفاله. فهو ممتن للحس المجتمعي والدعم الذي وجده في وطنه ويفتخر بالدعم الذي قدمته حكومة بلاده له ولغيره من الشباب للمشاركة في العمل المناخي.

"لا يمكننا الانتظار حتى عام 2050 للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر. يجب أن نعمل بسرعة".

عادل |  الإعلامي

يتذكر عادل ثورة الياسمين في تونس على أنها المرة الأولى التي بدأ فيها الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان. والآن وبعد مرور أكثر من 10 سنوات، تأكد عادل أن حقوق الإنسان ورفاهية الشعب التونسي ترتبط تماماً بالقضايا البيئية وظاهرة تغير المناخ.

"بدأت ألاحظ بالفعل التحديات البيئية التي تواجهها تونس، ومنها ندرة المياه والجفاف، وأدرك كيف تساهم تلك التحديات في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في بلدي".

وبعد حصوله على درجتي ماجستير، إحداهما في مجال الجيولوجيا البيئية والأخرى في مجال القانون البيئي، يستعد عادل لبدء برنامج الدكتوراه في الجيولوجيا في سبتمبر 2022.

ولكن يدرك عادل أن البحث وحده لا يكفي للتغلب على أزمة المناخ، فكما يقول نحن بحاجة إلى إصدار التشريعات اللازمة ورفع الوعي العام.

ونظراً لأن تونس ليس لديها قانون بشأن تغير المناخ، يرغب عادل في المشاركة في صياغة هذا القانون عندما يحين الوقت لذلك.

عادل هو أحد خريجي برنامج القيادة الشبابية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويلتزم أيضاً بزيادة الوعي بالقضايا البيئية، ويحب مقابلة أشخاص جدد، والاستماع إليهم، واستغلال معرفته لتوصيل أسباب أهمية العمل البيئي.

وقد بدأ عادل مؤخراً تعاوناً مع إذاعة مسك في تونس، حيث يقدم برنامجاً يتناول القضايا البيئية، بعنوان "إكو فريندلي" (صديق للبيئة)، تخصص كل حلقة منه لموضوع مختلف، مثل التلوث البلاستيكي أو التثقيف البيئي، ويستضيف ضيوفاً لديهم وجهات نظر استثنائية بشأن تلك الموضوعات.

ومن خلال قائمة الإنجازات التي تكبر يوماً بعد يوم، من المؤكد أن عادل سيترك بصمة كبيرة على الحركة البيئية في بلاده، فهو يرى أن الشباب هم القادة الحقيقيون للعالم ويسعى إلى تقديم مثال يحتذى به، ويعمل بلا كلل من أجل توفير عالم أفضل.

 
"الأرض تراثنا. لذلك يجب علينا حمايتها للأجيال القادمة".