تصريح مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عقب زيارته إلى اليمن

مدير برنامج الأمم المتحدة خلال زيارته لليمن

لقد عدت للتو من زيارة استمرت خمسة أيام الى اليمن، حيث سافرت إلى عدن وصنعاء والحديدة، للقاء بالمجتمعات المحلية، والمسؤولين، وفريق الأمم المتحدة.

لقد عكست أربع سنوات من الصراع العنيف عقوداً من التقدم الإنمائي في اليمن. وقد أدى القتال إلى مقتل أو إصابة عشرات الآلاف من المدنيين وتسببت بتشريد أكثر من ٣ ملايين شخص. ٨٠ في المائة من السكان في أمسّ الحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وأكثر من 10 مليون على حافة المجاعة.

من الصعب إدراك حجم الدمار والمعاناة الإنسانية التي شهدتها بأم عيني. لقد أدت الحرب إلى توقف اقتصاد البلد، البُنية التحتية والزراعة تدمّرت، انخفض الدخل القومي إلى النصف، أُغلقت أكثر من ثلث الشركات، ٦٠ في المائة من اليمنيين أصبحوا عاطلين عن العمل، وقرابة ٥ ملايين طفل لا يمكنهم الوصول إلى التعليم.

إن اليمن الآن تُعد أكبر أزمة إنسانية في العالم.

أكدت دراسة أجريت مؤخرا بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن التقدم في مجال المؤشرات الاجتماعية و الاقتصادية قد تراجع لأكثر من ٢٠ عاماً.

وبعيداً عن ما تم تحقيقه سابقاً، فإن التنمية في اليمن حالياً في انحدار.

وبالتالي فإن رسالتي واضحة، الحل الوحيد بالنسبة لليمن هو السلام.

وكان أحد الأهداف الرئيسية وراء زيارتي لليمن هو قياس الكيفية التي يمكن بها للمبادرات الإنمائية - إلى جانب الدعم الإنساني - أن تؤدي إلى السلام، ومناقشة إمكانية عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مع شركائه والمجتمع الدولي، مع جميع اليمنيين لوضع الأساس لمستقبل لديه بدلاً من الحرب والفوضى.

وفي خضم الأزمة، رأيت إمكانيات مستقبل مختلف لليمن.

وفي عدن، ناقشت خيارات إعادة بناء المؤسسات الحكومية والاقتصادية الحيوية، مع كبار القادة في الحكومة والبنك المركزي اليمني، وكذلك كيف يمكن لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن يوفر الخبرة التقنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. 
وفي كل مدينة، التقيت واستمعت إلى مواطنين يمنيين تأثروا بالنزاع وما أعقبه من انهيار اقتصادي. إنهم يريدون استعادة السلام والكرامة الإنسانية. لقد شهدت بأم عيني عزيمة وصمود اليمنيين وتحويلهم التحديات إلى فرص.

ومن خلال مبادرات رائدة مع مانحين مثل الاتحاد الأوروبي وحكومة اليابان، وشركاء مثل صندوق التنمية الاجتماعية في اليمن، تمكّنت من لقاء أفراد مُلهِمين من المناطق الريفية يتطلعون إلينا للحصول على فرص مدرة للدخل.

منهم (أحمد)، الذي لم يفقد تفاؤله وتصميمه من أجل مستقبل أفضل له ولأسرته، على الرغم من كونه مقعد على الكرسي المتحرك، فقد خضع لتدريب مهني لإنشاء متجر صيانة للهواتف النقالة. و (نهاية)، المطلقة مؤخراً والأم لولد صغير، والتي كانت تعمل في السابق كعاملة في المزارع بدخل يومي لم يمكنها من تلبية احتياجاتها الأساسية. (نهاية) استفادت من التدريب والتمويل التشغيلي الذي سمح لها بإنشاء متجر للملابس في منزلها، لقد تحسنت حياتها، وابنها الآن أصبح قادراً على الذهاب إلى المدرسة. يمكن لـ (أحمد) و (نهاية) الآن تلبية احتياجاتهما الأساسية وكذلك الادخار للمستقبل، كما هو الحال بالنسبة لمئات الآخرين الذين استفادوا من برنامج التدريب والتمويل التشغيلي لأعمالهم.

وهناك أيضاً مدرسة في مدينة صنعاء القديمة مع مديرتها وموظفيها الابطال. لقد قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع مشروع الأشغال العامة في اليمن بإعادة تأهيل المدرسة وأصبحت قادرة على استيعاب أكثر من ٣ آلاف فتاة. ومن المؤسف، أن الأطفال ومعلميهم - الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر - قد اعتادوا على أصوات إطلاق النار والانفجارات. وهذا واحد من مئات المشاريع التي يدعمها حالياً أحد البرامج الرائدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي في جميع أنحاء اليمن.

وفي عدن، زُرت أيضاً خزانات مياه عمرها ٣٥٠٠ عام بُنيت في الجبال المحيطة بالمدينة، والتي تربط بين شبكة من القنوات والمصارف التي كانت تعتبر شريان الحياة للمدينة. وبسبب تعطيل شبكات إدارة النفايات والصرف الصحي في المدينة، أصبح شريان الحياة هذا الآن خطراً جسيماً على صحة سكانها. ويعمل مهندسون يمنيون مهرة، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي تموله حكومة اليابان، مع المجتمعات المحلية لإصلاح الخزانات المتداعية وإعادة تأهيل القنوات للوقاية من الكوليرا وغيرها من الأمراض المعدية.

هذه الشراكات الرائدة في اليمن تضيف منظوراً طويل المدى للتنمية في ظل الاستجابة للأزمة الحالية، وكما أظهرت لنا الصراعات الماضية، فإن نموذج "الإغاثة الآن والتنمية في وقت لاحق" ليست نموذجاً يمكن أن يرسخ السلام ويعزز الرخاء بمجرد انتهاء الصراع.

وعبر سخاء المانحين الذين حرصوا على ضمان تطبيق المنظور الإنمائي في الاستجابة للأزمات، حقق الشعب اليمني تحسينات ملموسة في حياته اليومية.  وبفضل تعهد من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي بتقديم ٤٠٠ مليون دولار، تمكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من دعم وصول الناس إلى فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية والأسواق العاملة في ٣٠٠ مديرية في جميع أنحاء محافظات اليمن البالغ عددها ٢٢ محافظة.

وفي الحديدة، حيث تعمل الأمم المتحدة مع الطرفين والمبعوث الخاص للأمين العام لتنفيذ اتفاق ستوكهولم للسلام، قمت بزيارة الميناء - رمز الأمل لمستقبل أفضل لليمن. أصبح الميناء، الذي تأثر بشدة بالقتال، بحاجة ماسة إلى الإصلاحات. إن الميناء هو شريان الحياة الرئيسي للواردات الإنسانية والتجارية إلى اليمن. وعلى هذا النحو، فإن إدارة الميناء وإعادة تأهيله هما في صميم التنفيذ المبكر لاتفاق ستوكهولم. ومن شأن استئناف حركة استيراد السلع واستئناف التجارة أن يسمح لليمن ببدء التعافي الاقتصادي. والبرنامج الإنمائي ملتزم بدعم الإصلاحات الأكثر إلحاحاً، وذلك للدفع بالسلام، وإرساء أساس للتنمية للمستقبل.

إن المجتمع اليمني والدولي يراقبان عن كثب التقدم الذي سنقوم به جميعاً، من عدمه. وبالتالي، هناك حاجة إلى زيادة المشاركة السياسية لتهيئة الظروف اللازمة لهذه الاستثمارات.

وقد ناقشت هذا الأمر مع الأطراف في عدن وصنعاء والحديدة، ومما شجعني التزامهم المستمر بإحراز التقدم، بدعم من المكاتب الخاصة بالمبعوث الخاص للأمين العام والبعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة.

وبصفتي ممارسا للتنمية، رأيت الأثر الذي يحدثه استعادة الكرامة والخدمات الفعّالة نحو التعمير والسلام الدائمين.

وبصفتي مؤيدا لإقامة روابط أقوى بين الإغاثة والتنمية، أدعو المجتمع الدولي إلى مواصلة السير على الطريق الصحيح، وتحويل التعهدات إلى مساهمات فعلية، ومواصلة دعمها لليمن وشعبه في هذا الوقت الحساس من تاريخه.

ومن الأهمية أن يواصل زملاؤنا في المجال الإنساني في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسيف وأسرة الأمم المتحدة الموسعة، فضلاً عن المنظمات الدولية، تقديم المساعدة المنقذة للحياة إلى أشد الفئات ضعفاً، في ظل الظروف بالغة الصعوبة.

كما أدعو نظرائنا في اليمن إلى مواصلة تهيئة بيئة تمكننا من الوصول وتنفيذ العمليات وتوسيع نطاقها.

وأخيرا، أود أن أشيد بالمواطنين اليمنيين وزملائنا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الذين يشاركون في الجهود الإنسانية والإنمائية والذين التقيت بهم خلال زيارتي. إن التزامهم الاستثنائي ودعمهم المستمر في ظل ظروف بالغة الصعوبة يستحقان خالص التقدير.

لا يسعنا الانتظار أكثر لمستقبل أكثر إشراقا لليمن.

لقد حان الوقت لكي نحول آمالنا وتطلعاتنا في اليمن الى واقع.