الشباب يدفعون عجلة العمل المناخي في اليمن، ويقدمون حلولاً مستدامة
13 أغسطس 2025
شابات يحملان محصولهما من المانجو.
تُشكِّل الأزمة البيئية الحالية في اليمن تهديدًا خطيرًا على مستقبل الشباب، وتترتب عليها آثار واسعة النطاق تمس الصحة والتعليم وسبل كسب الرزق. ومع ذلك، يتمتع الشباب اليمني بإمكانات هائلة من حيث الإبداع، والإلمام بالمهارات الرقمية، والوعي العميق بالتحديات البيئية. فهم مساهمون رئيسيون في جهود العمل المناخي، وحماية البيئة، والحد من مخاطر الكوارث.
وانطلاقًا من إدراك هذه الإمكانات، يُعدّ تزويد الشباب بالمهارات الخضراء أمرًا بالغ الأهمية. وتُعرّف المهارات الخضراء بأنها المعارف والقدرات والقيم والسلوكيات التي يحتاجها المجتمع ليصبح مستدامًا وأكثر كفاءة في استخدام الموارد. هذه المهارات هي أساس بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وتمكين المجتمعات من التكيف مع الآثار البيئية والتخفيف منها.
هيثم، مزارع شاب، يعتني بأرضه.
وبعيدًا عن تعزيز القدرة على التكيف، تلعب المهارات الخضراء دورًا رئيسيًا في الانتعاش الاقتصادي من خلال خلق فرص جديدة لكسب الرزق. وفي الوقت نفسه، فهي تعزز التنمية المستدامة من خلال تشجيع الممارسات التي تحمي البيئة وتدعم الرفاه على المدى الطويل.
وكجزء من دعمه للقدرة على التكيف مع تغير المناخ والتنمية المستدامة في اليمن، يساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في بناء قدرات الشباب من خلال مبادرات تستهدف المهارات الخضراء.
في إطار مشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية لتعزيز مرونة الزراعة والأمن الغذائي (IWRM-ERA)، المُموَّل من الحكومة الألمانية من خلال البنك الألماني للتنمية، يشارك الشباب بأنشطة إعادة تأهيل البنية التحتية للمياه، واستعادة المدرجات الزراعية، وتحسين الطرق الريفية. كما يساهمون في التقييمات الهيدرولوجية ويساعدون في إنشاء جمعيات لمستخدمي المياه. وبالإضافة إلى ذلك، يتم تدريب الشباب على معالجة الأغذية الدقيقة وتطوير سلسلة القيمة، مما يعزز وصولهم إلى فرص كسب العيش المستدامة.
هيثم في مزرعته.
يصف هيثم، وهو مزارع من قرية صابون في محافظة تعز، كيف يؤثر توافر المياه بشكل مباشر على قدرته على كسب العيش: "نحن نعتمد كليًا على مياه الأمطار والسيول. عندما يضرب الجفاف، لا توجد مياه على الإطلاق، وعدم وجود حصاد يعني عدم وجود دخل".
وقد أتاح له مشاركته في بناء حواجز لمياه السيول فرصة عمل قصيرة الأجل، وفوائد طويلة الأجل لأرضه، حيث قال: "منذ أن تم بناء الجدران الاستنادية، أصبحت الأرض محمية بشكل أفضل، وتحسنت غلة المحاصيل. حتى هذا العام، ومع هطول أمطار محدودة، رأينا المزيد من الاستقرار".
كما سلط هيثم الضوء على التأثير المستمر لندرة المياه على النساء في المجتمع: "لا تزال النساء يضطررن إلى السير لمسافات طويلة لجلب المياه. إنه أمر مرهق ويستغرق وقتًا طويلاً. في بعض الأحيان، تنشأ صراعات عندما يجمعن المياه من مصادر مشتركة مع قرى أخرى".
رنا تقوم بتغليف محصول المانجو.
تشاركه رنا، مزارعة تبلغ من العمر 25 عامًا من تعز، وجهة نظر مماثلة حول كيف يمكن لتحسين الحصول على المياه أن يدعم الأمن الغذائي وتوليد الدخل في آنٍ واحد: "من خلال جمع مياه السيول، تمكّنا من ري المزيد من المحاصيل. وقد أدى ذلك إلى تحسين الغلة، وبدأت الأسر في بيع الفائض من المحصول".
وتؤكد على أن النساء هنّ محور العمل الزراعي ولكنهنّ ما زلن يواجهن تحديات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحصول على المياه: "يستغرق جلب المياه ساعات. وهو يؤثر على تعليمنا وصحتنا. وقد تسربت بعض الفتيات والشابات من المدرسة لمجرد المساعدة في جمع المياه".
رنا تحصد المانجو.
أكدت رنا على أهمية مشاركة الشباب والنساء في التخطيط وصنع القرار على المستوى المحلي: "نحن نساعد في تحديد احتياجات مجتمعنا، ونقدر التدريب الذي يساعد على تقليل عبء العمل، وخاصة بالنسبة للنساء. مع المزيد من الدعم، يمكننا فعل المزيد".
رسالتها إلى قريناتها واضحة: "التقدم الوطني يعتمد على الشباب. يجب أن ننخرط في الزراعة ونساعد في تطوير مجتمعاتنا".
جزء من الجدران الاستنادية التي تم تشييدها حديثًا في إطار مشروع IWRM-ERA في تعز. وتساعد هذه الجدران على حماية الأراضي الزراعية عن طريق منع تآكل التربة وتحسين الاحتفاظ بالمياه.
من خلال الجمع بين إعادة تأهيل البنية التحتية العملية والتدريب على المهارات، يدعم المشروع الزراعة القادرة على التكيف مع تغير المناخ، وفي نفس الوقت يخلق فرصًا للشباب، وخاصة في المناطق الريفية، لتطوير الكفاءات التي تعزز سبل عيشهم. هذه المساهمات المحلية ضرورية لبناء القدرة على التكيف على المدى الطويل وتعزيز التنمية الشاملة في المناطق المتضررة من الإجهاد البيئي.
وإذا ما نظرنا تحديدًا إلى المجتمعات الساحلية في اليمن، فإن الشباب يثبتون أنه بالمهارات والدعم المناسبين، يمكنهم إحداث تحوُّل في سبل كسب العيش، وحماية الموارد البحرية، وإلهام التغيير المستدام.
زين، بائع أسماك في مدينة عدن.
من خلال مشروع التنمية المستدامة لمصايد الأسماك في البحر الأحمر وخليج عدن (SFISH)، المُموَّل من البنك الدولي، والذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يكتسب الشباب مهارات مهنية وتجارية تفتح لهم الأبواب لإدارة مصائد الأسماك القادرة على التكيف مع تغير المناخ، والمعالجة المستدامة، والابتكار في سلسلة القيمة.
زين وزميل له يبيعان السمك داخل محل السمك الخاص به في عدن.
حتى الآن، تم تدريب 1,702 امرأة و شاباً على المهارات المتعلقة بالثروة السمكية، بدءًا من معالجة الأغذية وتطوير المنتجات الثانوية للأسماك وصولاً إلى إدارة الأعمال، وحصلت 853 امرأة وشابًا على أصول عينية مصممة خصيصًا للأعمال التجارية لمساعدتهم على إطلاق أو توسيع مشاريعهم الصغيرة.
أحد هؤلاء المبتكرين الشباب هو زين، تاجر أسماك من عدن.
حتى وقت قريب، كان لدى زين كشك صغير على جانب الطريق. أما اليوم، وبفضل التدريب والدعم الذي تلقاه من خلال مشروع SFISH، فإنه يدير متجرًا للأسماك مجهزًا بالكامل ويعمل بالطاقة الشمسية.
من خلال البرنامج، تعلم زين تقنيات التعامل مع الأسماك وتخزينها بشكل صحيح، وأساليب الحد من الهدر، واستراتيجيات استمرارية الأعمال. وقد ساعدته هذه المهارات على تقليل التلف، وتحسين جودة المنتج، وإدارة أعماله بشكل أكثر كفاءة، مع استخدام الطاقة الشمسية التي تخفّض انبعاثات غازات الدفيئة وتقلل الاعتماد على الكهرباء غير الموثوق بها.
نظام الطاقة الشمسية وأدوات السلامة داخل محل بيع الأسماك.
يقول زين: "من خلال التدريب، تعلمت كيف أحافظ على الأسماك طازجة لفترة أطول وأقلل من الهدر. تضاعفت المبيعات تقريبًا، والآن يمكننا توظيف المزيد من الأشخاص. وهذا يعني أن المزيد من الأسر في مجتمعي لديها دخل مستقر".
يدعم محل زين الآن 15 عاملاً دائمًا وخمسة عمال مؤقتين، نصفهم من الشباب. وأصبح الزبائن الذين كانوا يتجنبون الباعة الجائلين سابقًا بسبب مخاوف تتعلق بالنظافة، يختارون الآن متجر زين، وثقتهم تامة في جودة الأسماك وطراوتها.
زين وزميل له في العمل يخدمان الزبائن داخل محل بيع الأسماك الخاص يه في عدن.
يعتقد زين أن الشباب هم مستقبل قطاع الثروة السمكية في اليمن، لكنهم ما زالوا يواجهون عوائق: "يرغب العديد من الشباب في العمل في قطاع الثروة السمكية، لكنهم يفتقرون إلى التدريب أو الوسائل اللازمة للبدء. بالمهارات والمعدات المناسبة، يمكننا حماية البيئة، وتحسين جودة المنتج، وتأمين سبل عيش أفضل".
من خلال الاستثمار في المشاريع التجارية التي يقودها الشباب والتي تراعي البيئة، يساعد مشروع SFISH في خلق وظائف خضراء، وتحسين سلامة الأغذية، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ. وبالنسبة للعديد من الشباب اليمني، لا يقتصر الأمر على التكيف مع التحديات المناخية والاقتصادية، بل يتعداه إلى بناء مستقبل مستدام لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
زين وزميل له في العمل يخدمان الزبائن داخل محل بيع الأسماك الخاص به في عدن.
وبالنظر تحديدًا إلى التدريب على القدرة على التكيف مع تغير المناخ وانبعاثات غازات الدفيئة، يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة المياه والبيئة بإعداد برنامج مُستهدف لبناء القدرات حول قوائم جرد غازات الدفيئة خصيصًا للشباب كجزء من البلاغ الوطني الرابع وتقرير التحديث نصف السنوي الثاني بشأن تغير المناخ، بتمويل من مرفق البيئة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وستتلقى مجموعة من الشباب المشاركين تدريبًا متخصصًا لتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة للمراقبة والإبلاغ عن غازات الدفيئة على المستوى الوطني.
أمل تشارك في جلسة إحاطة استعدادًا للتدريب على قوائم جرد غازات الدفيئة.
بالنسبة لأمل، خريجة علوم الكمبيوتر ومدربة معتمدة في مجال تغير المناخ، تعكس فرصة الانضمام إلى البرنامج اهتمامًا مهنيًا والتزامًا شخصيًا في آنٍ واحد.
قالت أمل: "نحن نرى بالفعل تغيرات في الطقس المحلي - درجات حرارة أكثر سخونة، ومزيد من عدم القدرة على التنبؤ. لكن الوعي العام لا يزال محدودًا. هذا التدريب يمنحنا وسيلة للاستجابة بشكل بنّاء".
تأمل أمل في تصميم مشاريع على مستوى المجتمع المحلي للحد من الانبعاثات وخلق قيمة اقتصادية. "إذا فهمنا من أين تأتي الانبعاثات، يمكننا أن نعمل على تغييرها، سواء من خلال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، أو حماية الأشجار، أو الحد من النفايات. أريد أن أعمل على مقترحات لمشاريع حول إعادة التدوير التي تدعم البيئة وخلق فرص عمل للشباب".
كما تعتقد أن لها دورًا في النهوض بالتعليم البيئي: "تعليم الأطفال كيفية زراعة طعامهم أو فرز النفايات ليس أمرًا عمليًا فحسب، بل يبني ثقافة المسؤولية".
عبد الحق خلال اجتماع تحضيري للتدريب على قوائم جرد غازات الدفيئة.
من وجهة نظر هندسية، يرى عبد الحق أن البرنامج يمثل استجابة في الوقت المناسب لأحد التحديات المناخية الملحة في اليمن: وهو الافتقار إلى الأبحاث البيئية الحديثة والموثوقة.
ويوضح عبد الحق: "لقد تغير مشهد الانبعاثات، لكن معظم معلوماتنا الحالية لا تعكس ذلك. بدون أدلة دقيقة، لا يمكنك تطوير سياسة فعّالة. إذا عرفنا المصادر، يمكننا التحول نحو بدائل أنظف".
وهو ينظر إلى التدريب كخطوة نحو بناء جيل جديد من المهنيين البيئيين. "هناك حاجة حقيقية لشباب يمكنهم تقديم أفكار جديدة والتزام طويل الأجل".
يؤكد كل من أمل وعبد الحق على أن الدعم المؤسسي ضروري للشباب للمساهمة بشكل هادف. قالت أمل: "نحتاج إلى إجراءات أكثر مرونة للمبادرات التي يقودها الشباب. الأفكار موجودة، وكل ما تحتاجه هو مساحة لتنمو". وأضاف عبد الحق: "إذا أُتيح لنا الوصول إلى المعلومات الصحيحة، يمكننا المساهمة في بناء قاعدة معرفية وطنية. وهذا ما سيجعل الحلول طويلة الأجل ممكنة".