المستقبل الذي تريده شمال أفريقيا: في البحث عن رؤى

4 سبتمبر 2023

 في عام 2011، قاد الشباب التونسي دعوة لصياغة مستقبل أفضل من الكرامة والأمل، قوامه توفير فرص العمل والنشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والحريات السياسية. وهي دعوة تردد صداها في جميع أنحاء منطقة الدول العربية وأصبحت محوراً لجميع الدعوات اللاحقة للتغيير. وبعد عام من ذلك التاريخ، انضمت بلدان شمال أفريقيا إلى الحوار العالمي الذي نظمته الأمم المتحدة بشأن مستقبل التنمية الدولية، والذي ساهم في عام 2015 في تشكيل إجماع دولي على خطة لتحويل عالمنا، من أجل الناس والكوكب - خطة عام 2030 للتنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر.

واليوم، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، وفي منتصف الجدول الزمني المحدد للوفاء بوعد خطة عام 2030 للتنمية المستدامة، نجد بلدان شمال أفريقيا، مثل بقية الدول العربية، معرضة لخطر عدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ما لم ترفع من مستوى طموحها وتسرع وتيرة عملها وتكثف استثماراتها في التنمية البشرية. وتمثل بلدان شمال أفريقيا، تونس والجزائر وليبيا والمغرب، إلى جانب مصر، ما يقرب من نصف سكان منطقة الدول العربية (44٪) وربع ناتجها المحلي الإجمالي (25٪).1

المستقبل الذي تريده شمال أفريقيا؟

على هذه الخلفية، يبدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذا الأسبوع في تونس حوارًا جديدًا يبدأ داخليًا ومن ثم يتوسع خلال الأشهر الستة المقبلة ليشمل العديد من أصحاب المصلحة المعنيين من أجل تسهيل عملية خلق تصور مشترك لمستقبل التنمية في شمال إفريقيا. فعلى مدى خمسة أيام، نجمع مجموعة من الخبراء وشركائنا في مجال التنمية البشرية مع مكاتبنا القطرية في شمال أفريقيا لاستكشاف سبل العمل والتعاون المشترك اللازمة لتمهيد الطريق نحو شمال أفريقي مزدهر ومستدام.

واليوم لا نبدأ هذا الحوار من لإعادة تقييم التحديات الإنمائية الحاسمة والتي لطالما تم تحديدها مرارا وتكرارا في الماضي أو للتأسف على تأخر جهود مواجهتها، ولكن من أجل التركيز بشكل جماعي على طرق جديدة لمعالجتها. كما نشرع في مداولاتنا دون تبسيط خادع بأن أيًا من هذه التحديات يمثل مشكلة منفردة يمكن حلها بمفردها، ولكن بتسليم كامل بأن معظم تحديات التنمية ترتبط ببعضها البعض بشكل جوهري بحيث لا يمكن معالجتها إلا باعتبارها "مشاكل مستعصية" تتطلب "استجابات على مستوى الأنظمة الشاملة". كما أننا نبدأ هذه الرحلة دون ادعاء بأن التعاون بين بلدان المنطقة والتعاون عبر الحدود هو عملية خطية مباشرة أو سهلة إذ ندرك جيدًا العقبات التي أعاقت حلم "الاندماج العربي" من التجسد على أرض الواقع على مدى العقود العديدة الماضية.

وفيما يلي بعض الأسئلة التي سنسعى لاستكشافها معاً والتي نأمل أن نستخلص من خلالها رؤى إرشادية تنير طريقنا.

الملاحة عبر سياق جغرافي سياسي معقد وإعادة التفكير في الحكم.

نعلم جيداً كمتخصصين في مجال التنمية، أن العملية التنموية تتشكل في سياق سياسي قد يحدد حدودها، ويضع القيود المؤسسة لها، ويشكل نتائجها. ومن ثم سنحاول تفهم السياق الجيوسياسي لشمال أفريقيا وما قد يوفره من مزايا نسبية وما يفرضه من قيود.

  • كيف تستطيع منطقة الشمال الأفريقي تعظيم المنافع المتبادلة من موقعها كجزء لا يتجزأ من منطقة الدول العربية؟
  • كيف يمكن لبلدان منطقة الشمال الأفريقي أن تستفيد من الصعود الاقتصادي لأفريقيا؟
  • هل يمكن الاستفادة بشكل إيجابي من وضع منطقة الشمال الأفريقي باعتبارها منطقة وصل بين أفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي الأكثر ثراءً شمال البحر الأبيض المتوسط؟
  • وأخيراً، كيف يمكن تعزيز التعاون التنموي عبر الحدود في حالات الخلاف السياسي، كما هو الحال بشأن الصحراء الغربية أو الاستقطاب السياسي في ليبيا؟

كذلك نعلم جيداً من تجربتنا على أرض الواقع، في جميع أنحاء العالم، أن الحوكمة هي عامل حاسم الأهمية لنجاح التنمية. فالثقة في الحكومات، والمؤسسات القوية والخاضعة للمساءلة والتي تعمل بشفافية ونزاهة، وتوفير حيز حر وديناميكي لعمل المجتمع المدني، وخلق فرص حقيقية للمشاركة السياسية، والالتزام بدعم حقوق المواطنة، كلها أمور بالغة الأهمية لنجاح التنمية.

  • كيف يمكن لعمليات توفير مكاسب تنموية أن تساعد في استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين؟
  • كيف يمكن لأدوات الرقمنة أن تعزز من كفاءة الإدارة العامة وتساعد في مكافحة الفساد؟
  • هل يمكن أن تكون التنمية القائمة على حقوق الإنسان نهجاً واقعياً في السياق الحالي في منطقة الشمال الأفريقي؟


تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي والنمو الأخضر.

تواجه اقتصادات دول الشمال الأفريقي صعوبات كثيرة في الوقت الحالي. فالدين العام يتصاعد. والحيز المالي يتضاءل. وتعجز الاقتصادات عن خلق فرص العمل التي تعزز التقدم الاقتصادي لكافة الناس، وخاصة للشباب، وعن توفير تدابير الحماية الاجتماعية اللازمة أو زيادة الاستثمارات في القطاعات التي تخلق فرص العمل وتناصر الفقراء. كذلك تتزايد نسب الفقر وتتعمق مستوياته، وتزداد حدة الفوارق بين الطبقات.

  •  كيف يمكن لمنطقة الشمال الأفريقي أن تدعم المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم وأن تعزز ريادة الأعمال وتنمية المهارات؟
  • ما هي الفرص الاقتصادية التي يمكن أن تستمدها منطقة الشمال الأفريقي من التحولات الناشئة في مجالات التحول الرقمي والانتقال إلى نظم الطاقة المتجددة والحلول المبتكرة لتوفير المياه؟
  • ما هي حوافز السياسات التي يمكن أن تساعد في تعزيز استثمارات القطاع الخاص في منطقة الشمال الأفريقي في البنية التحتية للطاقة الخضراء، وتحسين كفاءة الطاقة، والممارسات الزراعية المستدامة؟


ثلاثية المناخ والطاقة والمياه وسبل معالجته كتهديد وجودي وكمصدر واعد للفرص.

تبرز منطقة شمال أفريقيا باعتبارها نقطة ساخنة لتغير المناخ، حيث ترتفع معدلات الاحترار فيها بنسبة 20% أسرع من المتوسط العالمي. ويهدد ارتفاع مستويات سطح البحر مدنها الساحلية التي يسكنها الملايين. وأدت أنماط هطول الأمطار غير المنتظمة، وتناقص مخزونات المياه، وتصاعد معدلات التبخر إلى تفاقم مستويات ندرة المياه في الشمال الأفريقي إلى مستويات خطيرة. وعلى الرغم من أنه موطن لبعض من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، فإن حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة في الشمال الأفريقي - باستثناء المغرب - لا تزال منخفضة للغاية.

  • كيف يمكن لمنطقة الشمال الأفريقي بناء القدرة على مواجهة تغير المناخ وتحويلها إلى فرصة اقتصادية؟
  • ما هي أهم السياسات والأطر التنظيمية التي تحتاجها منطقة الشمال الأفريقي لجذب الاستثمارات وتسريع التحول في مجال الطاقة؟
  • ما الذي تعلمناه من مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة في ورزازات في المغرب وبنبان في مصر والتي يمكن أن تساعد في توسيع نطاق صناعة مزدهرة للطاقة المتجددة في جميع أنحاء الشمال الأفريقي؟
  • ما هي الاستثمارات التكنولوجية والمالية اللازمة في منطقة الشمال الأفريقي لتعزيز الابتكار في حلول المياه، بما في ذلك تحلية المياه، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وأنظمة الري الفعالة.
  • كيف يمكن لمنطقة الشمال الأفريقي أن تضمن الوصول العادل والموثوق وميسور التكلفة إلى الطاقة والمياه لجميع المواطنين، وخاصة أولئك الذين يقيمون في المناطق النائية أو المهمشة؟


تسخير الحراك البشري كقوة للتنمية البشرية مع الحد من الهجرة غير النظامية.

  • تزايد أعداد الشباب في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل وبقية بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب تدهور الظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وعدم الاستقرار السياسي، كلها عوامل تضع الحراك البشري على رأس اهتمامات منطقة شمال أفريقيا. إذ أصبحت منطقة شمال أفريقيا منبعاً للهجرة النظامية وغير النظامية إلى أوروبا، وطريق عبور رئيسي إلى أوروبا، فضلاً عن كونها وجهة نهائية للكثير من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الباحثين عن فرص لحياة أفضل. وتظل التحويلات المالية من المهاجرين مصدرا حاسما للدعم الاقتصادي لأسرهم ولمجتمعاتهم المحلية كما أنها تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي ومبادرات الاستثمار.
  • ما هي أشكال التعاون التي يمكن تعزيزها بين أوروبا ومنطقة الشمال الأفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء بشأن إدارة الهجرة على نحو استراتيجي يقلل المخاطر ويستفيد في الوقت نفسه من الفرص المتاحة للجميع؟
  • كيف يمكن لبلدان منطقة الشمال الأفريقي إدارة المخاطر الأمنية المرتبطة بالتوترات الاجتماعية في المجتمعات التي تستقبل تدفقات من المهاجرين وما يرتبط بها من استياء عام متأصل في المظالم الاجتماعية والاقتصادية الطويلة الأمد؟


ترسيخ المساواة وتكافؤ الفرص، وخاصة بالنسبة للنساء.

لا تزال قضيتي المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة تشكلان تحديين حاسمين في شمال أفريقيا، فعلى الرغم من النطاق الواسع من التطورات التقدمية التي تتباين ما بين بلدان المنطقة لا تزال المعايير التقليدية والثقافية المتأصلة في نسيج المجتمع تفرض قيوداً على حقوق المرأة والفرص المتاحة لها، ولا سيما في مجالات التعليم والتوظيف وصنع القرار العام. وتمتد هذه القيود إلى الأطر القانونية وقوانين الأسرة، التي غالباً ما تفشل في حماية المرأة وتكرس التمييز على أساس النوع الاجتماعي الذي يؤثر على مجالات حيوية مثل الميراث والطلاق وحضانة الأطفال.

ويمثل التنوع السكاني في منطقة شمال أفريقيا بما يشمله من ثراء متعدد الثقافات واللغات والتقاليد أحد أهم السمات الرئيسية لشمال أفريقيا وهي سمة غالبًا ما يتم تجاهلها. ويعد ضمان المساواة بين المجموعات العرقية والدينية المختلفة أمر أساسي لحماية هذا التنوع باعتباره مصدر هائل للقوة في شمال أفريقيا، يمكن تسخيره لدفع الابتكار وإثراء النسيج الاجتماعي.

  • نظراً للقرب الثقافي والاجتماعي بين بلدان منطقة الشمال الأفريقي، كيف يمكن نقل الأمثلة الحاسمة من التدخلات الإيجابية المعنية بالمساواة بين الجنسين، وخاصة في المجالات القانونية والسياسية والتنظيمية، عبر الحدود وتوسيع نطاقها؟
  •  كيف يمكن تعزيز التعاون ونقل المهارات ما بين المجموعات التي تدافع عن قضايا المرأة وحقوقها في منطقة الشمال الافريقي من أجل تعزيز أجندات للمساواة بين الجنسين تتمتع بالملكية والقبول المحليين؟
  •  كيف يمكننا أن نضمن أن تشمل برامجنا مكونات مبنية على دمج التنوع وقادرة على الاستفادة منه كقوة للتنمية؟

لا يسعنا اليوم سوى التطلع إلى الأمام.

قد يتساءل المتشككون عن جدوى هذا الجهد الرامي إلى صياغة رؤية مشتركة ومتجددة لتعزيز التنمية في شمال أفريقيا، مستشهدين بمحاولات سابقة مماثلة ربما لم يحالفها النجاح. ما الذي يضمن نجاح مسعانا في هذه المرة؟ ما الذي تغير؟ ولماذا الان؟

وقد يتبين من الأسئلة أعلاه أننا لا نملك كل الإجابات لها، أو حتى معظمها. ولكننا نثق في أن ما نمتلكه اليوم من تحليلات شاملة وفهم عميق لهذه المنطقة ومن خبرات متراكمة من جميع أنحاء العالم، بالإضافة كذلك لقاعدة صلبة من الشركاء لديهم اهتمام حقيقي بدعم نهضة تنموية في شمال إفريقيا، كلها تمثل رصيد نافع يمكننا الاعتماد عليه إذ نبدأ لقائنا التشاوري حول التنمية في شمال أفريقيا، على أمل أن يؤدي التقاء القدرات الفكرية بين فرق عملنا وخبرائنا وشركائنا إلى بلورة الرؤى التي نحتاجها جميعًا للمضي قدمًا. ولا نتوقع أن نخرج من هذا اللقاء ببرامج أو مشاريع استراتيجية مكتملة الأركان. لكننا على ثقة من أننا سنخرج بمسارات واضحة للعمل ومداخل للتطوير البرامج، يتوجب علينا متابعتها تطويرها لتدعم مساعينا الجادة لتحقيق وعد التنمية البشرية لجميع شعوب شمال أفريقيا - الوعد بتحقيق الأمل والكرامة والازدهار.