أبطال عراقيون يتحدون فيروس كورونا المستجد في ديالى وكركوك

12 نوفمبر 2020

دكتور علي عبدالله عباس، 30 عاما، طبيب مقيم أقدم في مستشفى بعقوبة العام في ديالى.

تسرع الممرضات بأتجاه الردهات؛ تُصدر أجهزة مراقبة المرضى صفيراً عن بُعد، ويقوم الأطباء بمراقبة مرضاهم في غرف العناية المركزة –هذا المشهد هو مجرد يوم آخر للطاقم  الصحي  العامل في الصفوف الأمامية في العراق. اشتدت سرعة وتواتر هذا الروتين مع استمرار انتشار فيروس كورونا في ديالى وكركوك وفي جميع أنحاء البلاد.

تقترن جهود "الجيش الأبيض'' بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، الذي يعمل مع حكومة العراق لبناء ردهات عزل لمرضى فيروس كورونا التي تشتد الحاجة إليها في 14 منشأة صحية في العراق لمكافحة الوباء بشكل فعال وخدمة  من  هم في أمس الحاجة إليها.

في ديالى، المعروفة بمدينة البرتقال للشرق الأوسط نظراً لإنتاجها الوفير البرتقال والحمضيات في البلاد، ويعتمد اقتصادها على الزراعة، بما في ذلك التمور وبساتين الزيتون. وصلت  محافظة ديالى الى حالة بائسة في ظل احتلال  تنظيم داعش، وفي وقت ما استخدمها مسلحو داعش كخط دفاعي مما أدى الى انهيار البنية التحتية والخدمات فيها. بعد التحرر من  تنظيم داعش سنة 2015، تم إطلاق عدد من مشاريع إعادة التأهيل في المحافظة، بقيادة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وبالتشاور مع السلطات في ديالى لاستعادة البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها وتوفير الوصول إلى الاحتياجات الأساسية.

ومع ذلك، فإن تفشي فيروس كورونا وانتشاره غير المتوقع في العراق، لا سيما في هذه المنطقة، أدى إلى توقف مؤقت لمشاريع إعادة التأهيل في المناطق المحررة، وزيادة تأثير القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

طالب عدنان، 40 عاماً، ممثل المحافظ لدى المنظمات الدولية والمحلية في مكتب محافظة ديالى.

أوضح منسق المنظمات الدولية والمحلية في ديالى، السيد طالب عدنان: "حقيقة تأثير فيروس كورونا في العراق ومحافظة ديالى بصورة عامة كان على جميع النواحي والمجالات و أثر على ذوي الدخل المحدود بسبب غلق المحلات والأسواق وحظر التجوال ."

وأضاف قائلا: "اثرت الجائحة  أيضاً على الجانب الوظيفي بسبب تعطيل الدوام وتقليل نسبة الدوام الى 25%  و سببت تأخير العام الدراسي."

يعمل الطاقم الطبي على مدار الساعة داخل مستشفى بعقوبة العام في محافظة ديالى، على تزويد مرضى فيروس كورونا بالرعاية الصحية اللازمة إضافة الى توفير الدعم اللازم لبقية المرضى.

قال الدكتور علي عبد الله عباس، ذو 30 عاماً و الذي يعمل كطبيب مقيم اقدم في مستشفى بعقوبة العام  : "أثر فيروس كورونا على عملنا بصورة خاصة وعلى حياتنا اليومية بصورة عامة. يجب ان تتعرض ملابسنا للشمس وتغسل دائماً، ولا أستطيع الاقتراب من أطفالي أيضاً."

وأوضح أيضا أن: "الآن نحن نرتدي معدات الوقائية الكاملة في ظل هذا الطقس الحار مع إرتداء كمامات مضاعفة و غطاء الرأس وغطاء الأحذية بالاضافة الى البدلات البيضاء الخاصة بالطاقم الطبي والتمريضي والمختبري لتلافي الاصابة بفيروس كورونا."

إن طريقة العمل الجديدة هذه  أصبحت جلية للعيان داخل ردهات العزل، وقد تم تكثيف الإجراءات للحفاظ على سلامة العاملين في الخطوط الأمامية منذ أن أصيب عدد من الطاقم الطبي بالفيروس في جميع أنحاء البلاد.

إسراء كريم أحمد، 30 عام، ممرضة في مستشفى بعقوبة العام.

"بالطبع أثر هذا الفيروس على أقسام معينة داخل نفس المرفق الصحي من خلال تركيز الجهد على معالجة هذه الحالات  في حين تواجد حالات مرضية أخرى، البعض منها حرجة، تحتاج أيضاً الى أن تعالج."يقول مدير مستشفى بعقوبة العام في ديالى، الدكتور حيدر المقدامي، الذي يشتغل بمنصبه منذ عام 2015.

ويردف أيضا: "نواجه صعوبات كثيرة من ضمنها عدم اهتمام، وإهمال بعض المواطنين للإجراءات الوقائية في المستشفيات وخارجها. وللأسف بعضهم يراجعون المستشفى بصفة متأخرة بعد اصابتهم بالمرض ويكون جهازهم التنفسي متضرر للغاية وهو ما يعقد علاجهم."

على الرغم من هذه الأوقات العصيبة، فان طبيعة عملهم الصعبة ، سواء كان بإبلاغ الأخبار السيئة للمرضى الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس، أو العمل في خوف دائم من اصابتهم بالفيروس، لا يزال “الجيش الأبيض” صامداً ويعلق الآمال  في  غد أفضل للعراقيين و العراقيات.

تقول إسراء كريم أحمد  البالغة من العمر  30 عاماً و التي تعمل كممرضة في مستشفى بعقوبة العام منذ تسع سنوات :"بالنسبة لي، أصبحت  أتمنى أن  لا أدخل البيت لأن لدي طفلة عمرها ثلاثة سنوات تعاني من مشكلة في الحاجز البطيني، وزوجي لديه تليف رئوي. و في نفس الوقت، أصبحت أتجنب وأبقى بعيدة عن أقربائي و التجمعات العائلية. كما أنني أعمل على زيادة وعي المرضى لتجنب التجمعات والسماح لمرافق واحد مع المريض."

وأضافت مؤكدة فخرها بخدمة مجتمعها : "مع ذلك، أفرح عندما أنقذ حياة شخص. وأتشرف بأنني أخدم هذا المجتمع بعلاج المرضى وانا فرحة كثيراً بخدمتي، حتى اذا أصبت بفيروس كورونا، أشعر بالفخر لأنه سيحدث أثناء مساعدتي للآخرين."

لضمان تحسين الرعاية الصحية في مستشفى بعقوبة العام في ديالى، تم الانتهاء من إنشاء 20 ردهة عزل، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، في أوائل  شهر أيلول 2020. تم توفير المعدات الطبية بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعية وأجهزة تنظيم ضربات القلب وجهاز الأكسجة الخارجي ومعدات الحماية الشخصية التي سيتم تسليمها  أيضاً قريباً إلى المنشأة الصحية.

شمال ديالى في  محافظة كركوك  تم الإنتهاء من العمل على إنشاء وحدة عزل جديدة لدعم مرضى فيروس كورونا في نفس الفترة تقريباً.

كركوك، واحدة من أكبر المحافظات في العراق ويقدر عدد سكانها بنحو 1.2 مليون نسمة، كانت بوتقة تنصهر فيها المجتمعات المختلفة. اليوم، مدينة كركوك هي موطن للعرب والأكراد والتركمان ومجموعة متنوعة من المجتمعات الإسلامية والمسيحية والدينية الأخرى. تم اكتشاف النفط لأول مرة في هذه المدينة في عام 1924. وتنبع ثروتها أيضاً من قطاع الزراعة وخاصة في منطقة الحويجة التي كانت توفر الغذاء لشمال العراق بأكمله وتقدم مجموعة متنوعة من الخضروات والفواكه والذرة الصفراء والقطن. بسبب احتلال  تنظيم داعش، عانى المزارعون من قلة المساحات لتجفيف محصول الذرة والأراضي الخصبة تم استنزافها. كما دمرت صهاريج الحبوب بعد سنوات من الحرب وحرق للمحاصيل.

منذ التحرير من تنظيم داعش  سنة 2017، ركز برنامج إعادة الإستقرار التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشكل كبير على قطاع الصحة في كركوك، حيث تم إعادة تأهيل وتجهيز 36 مركزاً للرعاية الصحية الأولية، مما يوفر رعاية صحية جيدة لأكثر من 70 ألف شخص.

عماد محمد، 44 عام، عامل بناء في ردهات العزل بكركوك

عماد محمد ذو 44 عاماً، مصمم ديكور والآن عامل بناء يعمل للمساعدة في بناء ردهات العزل في كركوك، يصف بدقة تأثير فيروس كورونا: "أثر فينا الفيروس من الناحية الاقتصادية وفي العراق، أثر علينا من الناحية المعنوية أيضاً."

ويوضح الدكتور محمد نصير ذو 43 عاماً، وهو يعمل جراح ومدير قسم التدريب في دائرة صحة كركوك بأن :"هذا الفيروس كان له أثر هائل على المجتمع خاصة في العراق. والتاثير الأهم هو على نظام الصحة حيث كشف ضعف النظام الصحي في العراق."

 ويضيف : "هناك العديد من نقاط الضعف مثل النقص في المستشفيات والموظفين الطبيين والتي تحتاج إلى حل في المستقبل القريب."

"فيروس كورونا قد يكون سببا لكشف المأساة التي تحدث في النظام الصحي العراقي، وهو نظام عفا عليه الزمن ويجب تغييره. نظامنا الصحي (مريض) في حد ذاته ويحتاج إلى التعافي."

الدكتور محمد نصير، 43 عاماً، جراح ومدير قسم التدريب في دائرة صحة كركوك

لم يكن الطاقم الطبي، مثل بقية العالم ،مستعداً لهذا الوباء. ومع ساعات العمل الطويلة، فإن المضاعفات التي يشعر بها الآخرون الآن قد عانينا منها مسبقاً. كما نعاني  أيضاً من الضغوط الجسدية والنفسية.

يوضح دكتور نصير قائلا :"كان للحظر المفروض تأثير سلبي للغاية على نمط حياتنا الإجتماعي والنفسي وأسلوب حياة الأفراد الذين نساعدهم. جعل هذا الأمر صعباً علينا لأننا نتعامل مع أشخاص يعانون من ضغوط نفسية ومالية. وفوق كل هذا، نطلب من الناس الالتزام بالإجراءات الوقائية الصحية، ولكن مع مرور الوقت، انخفض التزام الناس. ونتيجة لذلك، يستمر الفيروس في الانتشار بشكل واسع، وكل هذا تم وضعه على عاتق الأطباء."

رغم كل الصعاب، فإن الفخر والمكافأة المطلقين لمقدمي الخدمات الصحية هو مساعدة المرضى عند الحاجة ورؤيتهم في حالة جيدة.

"كان لدينا مريضة اسمها سمراء، تبلغ من العمر 30 عاماً، كانت على وشك الموت. بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها طاقم الصحة والتمريضي، عادت إلى أطفالها بأمان. قصة سمراء مصدر فخر لنا جميعاً."

يضيف الدكتور نصير : "هذه اللحظات تجعلك تنسى التوتر و تجعلنا فخورين بكوننا جزء من هذه المهنة." 

حول استجابة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق لفيروس كورونا

منذ شهر آذار 2020، عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جنباً إلى جنب مع حكومة العراق والمجتمع الدولي لمكافحة فيروس كورونا في العراق. حيث شملت حزمة الإجراءات التي اعتمدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق ضمن استجابتها لجائحة كورونا، زيادة قدرة المختبرات على إجراء الفحوصات، وتوفير معدات الحماية الشخصية للعاملين في الرعاية الصحية، وإنشاء ردهات عزل، وإجراء تقييمات  من أجل وضع استراتيجيات التعافي لما بعد جائحة كورونا. مع التركيز على المجتمعات الأكثر  فقراً في العراق، يتم تنفيذ الأنشطة في 13 محافظة عراقية. يتم تنفيذ حزمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق للاستجابة لفيروس كورونا تحت مظلة برنامج إعادة الإستقرار التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 

يشكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على تمويلها السخي لبناء جناح العزل في كركوك وتجهيزه بالمعدات الطبية والأثاث، كما يشكر هولندا على تمويلها السخي لشراء أجهزة الانعاش. كما يثمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دعم بلجيكا والسويد والدنمارك لتمويل بناء جناح العزل في ديالى.